الاثنين، 9 مايو 2011

ظلامات الزهراء عليها السلام - الرمزيّة 1 - . ( 4 / 10 ) .

كما قلنا في مقال سابق أننا سوف نناقش رمزيّة عتيق بن أبي قحافة الملقب بـ ( أبوبكر ) و عمر بن الخطاب , وأصل كلمة الرمز باللغة أتت بمعاني متعددة منها الهمس , و الاشارة الى شئ يعنى به لفظ معيّن و الحزم و وفلان رميز أيّ كبير في فنّه ... , انما نريد بالرمزيّة هي الأخير أيّ الكبير في فنّه وبالمعنى الاصطلاحي نريد به الانسان الذي تمثلّت به المبادئ والقيم حتى صار رمزا لها , أيّ بالاشارة اليه كأنك تشير الى نفس المبادئ والقيم , فلو أنك قلت النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلّم كأنما قلت أعلى وأسمى المبادئ والقيم فصار الخاتم رمزا لها . 

ان رمزيّة أبوبكر وعمر استمدها الناس من التأريخ وبما أن التأريخ محل بحث فيحق لكل انسان أن يبحث فيه حتى يتحقق من هذه الرمزيّة هل هي موجودة أو لا , فكل شخصيّة في العالم ( محل بحث ) , وكما عرفت أن أهل السنة قد حرمّوا ( البحث في التاريخ ) خصوصا حول الصحابة وجعلوا ذاك من خصوصيات خلوة العلماء المشروطة بالاستغفار ! . 

أصل البحث يكون في نقطتين الأولى وهي بحث عصمة أبوبكر وعمر فهل هما معصومين أم لا , ان كانا كذلك يحق للباحث ان يتحقق من عصمتهما وان لم يكونا كذلك لا يحق أن يكونا رمزين للاسلام بمعنى أنهما يمثلاّن الاسلام وبالاشارة اليهما يعني أننا أشرنا الى نهج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فنهج النبي ( معصوم ) وهما ليسا بمعصومين فيترتب على ذلك أن الرمزيّة مقترنة بالمعصوم ومن تابع المعصوم على نفس النهج . 

أما وقد عرفنا أنهما غير معصومين لأن أهل السنة أنفسهم لا يقرون بالعصمة الا للأنبياء ولو كانت جزئيّة لا مطلقة فبالضرورة لا يقرون بالعصمة لأبي بكر وعمر يبقى هل أنهما كانا على نفس نهج النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أو لا , فان كانا كذلك فيحق وسمهما بالرمزيّة الاسلاميّة وان كان لا - أيّ ليسا على نفس نهج النبي صلى الله عليه وآله وسلم - فيحق سلب الرمزيّة عنهما . 

فالبحث يرتكز على اكمال مسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم والسير على ( نفس نهجه ) لا الاجتهاد بنهج خاص دون النهج النبوي الشريف , ومن هذا المنطلق يحق لنا البحث في نهجهما حتى يتم التحقق من رمزيتهما بموضوعيّة وبأخذ ما يصّح الاستشهاد به سواء بمجموع القرائن أو بالأدلة الصحيحة الصريحة التي تفضي الى أنهما رموز أو لا . 

معرفة نهج الانسان متفرع عن معرفة شخصيّته وعند البحث في شخصيّة أبي بكر وعمر نجد أن لكلا منهما شخصيّة مختلفة عن الآخر لكنهما يشتركان ببعض الصفات الغير حسنة أو قل القبيحة وقبل الشروع بهذه الصفات القبيحة ننوه الى أن اقترانهما مع بعضهما البعض هو بسبب التأريخ وما ينقل فكلما ذكر أحدهما بشئ وسم الآخر به . 

قد يقول قائل لماذا البحث عن صفاتهما القبيحة ولهما من الصفات الحسنة ما لهما - مجازا - , نقول أن البحث في صفاتهما القبيحة وأفعالهما الجائرة يكشف عن ماهيّة شخصيتهما وعن حقيقة نهجهما , فلو كانا يسيران على النهج النبوي الشريف والذي يمثّل  - الحسن والكمال - لا يمكن أن يشوبه القبح والتسافل فهذا يكشف لنا عن أنهما لا يسيران وفق النهج النبوي الشريف وبالتالي لا رمزيّة لهما ونضيف أن بعض الأفعال القبيحة تجعل من الانسان متعرضا لسخط الله ( الأبدي ) , وكما هو معلوم أن رضا الله تعالى صفة فعل وسخطه كذلك فيمكن أن يتبدل الرضا الى سخط والعكس لأن - الرضا والغضب - صفات فعل له سبحانه لا صفات ذات . 


ان من الصفات الأساسيّة التي وجب ان يوصف بها الرمز الاسلامي أو السائر على النهج المحمدي هي العلم والشجاعة والأمانة , والتي ينبغي أن لا يتصف بها ضد الثلاثة المذكورة آنفا فتقيمنا لشخصيّة أبابكر وعمر يجب أن يكون بتبيان اتصافهما بهذه الصفات فان كانا كذلك فنعم بها وان لم يكونا كذلك تسقط رمزيتهما من أساسها , وقد قلنا بهذه الصفات دون غيرها لأن بالعلم يكون الانسان قادرا على تدبير شؤون العباد بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبالشجاعة تكون نصرة الدين وبالأمانة تكون حمايته , فمتى ما انصرفت هذه الصفات عن شخصيّة المسلم أصبح غير قادر على تدبير شوؤن العباد ولا نصرة الدين ولا حمايته , فضلا عن أن الرمزيّة لا تطلق الا على أفضل الصحابة ومن يمتلك العلم والشجاعة والأمانة يكون الأفضل بلا خلاف , بل زاد العلماء بقولهم أن الأفضل بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجب ان يكون ( كالنبي ) في صفاته وأفعاله - أيّ يشبهه - . 




أبوبكر وعمر و ( العلم ) . 




 ان أبابكر ( قص الحق من نفسه ) بمعنى أنه قالها صراحة أنه ليس بخير الصحابة ونقلت عنه هذه الحادثة بعد أن ولّى نفسه الخلافة أو بالأصح ولّاه عمر بن الخطاب كما سيأتي في المقالات القادمة , فقد ذكر ابن حزم أبومحمد علي بن أحمد المعروف بابن حزم الظاهري في كتابه الفصل في الملل والأهواء والنحل في الجزء الرابع صفحة 209 : " قد صحّ أن أبابكر خطب الناس حين وليّ بعد موت النبي فقال ( أيها الناس اني وليتكم ولست بخيركم ) " واللطيف أنه رد قول القائل أن هذا الكلام تواضعا من أبوبكر ! فيقول " فان قال قائل انما قال ابوبكر هذا تواضعا قلنا له هذا هو الباطل المتيقن " . 


فأبوبكر اعترف أنه ليس بخير الصحابة وخطابه كان للصحابة أنفسهم وهذا الأمر منسحب على علمه , فهو ليس بخيرهم بالعلم والشجاعة والأمانة وغيرها من الصفات لكن مع قول ابوبكر الصريح بأنه ليس بخير الصحابة نجد ابن حجر في صواعقه المحرقة صفحة 19 قوله " ان ابابكر من اكابر المجتهدين بل هو أعلم الصحابة على الاطلاق " ولنا وقفة مع هذه الكلمة , ان كان أبوبكر أعلم الصحابة على الاطلاق فهذه كليّة موجبة وينقضها الجزئيّة السالبة بمعنى أننا عندما نقول أن فلان أعلم الصحابة على الاطلاق وهو يجهل أبسط أمور الشريعة يكون جهله بالبسيط كاشف عن عدم أعلميته على الصحابة أجمعين . 


ومن الشواهد على أن أبابكر لم يكن الأعلم على الاطلاق - غير اقراره على نفسه - ما ذكره جملة من العلماء منهم السيوطي في الدر المنثور ج6 ص317 و ابن حجر في فتح الباري ج6 ص212 وومصنف بن ابي شيبه ج7 ص9 و تفسير القرطبي ج19 ص223 وغيرهم رووا " سئل أبوبكرعن قوله‏  أب فقال أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم ‏" بتفسير قوله تعالى " وفاكهة وأبا " , فان كان أبوبكر لا يعلم معنى الأب فكيف يكون أعلم الصحابة على الاطلاق ؟ ( الأب هو الكلأ والمرعى ) . 


بل سئل أيضا بمعنى الكلالة وذكر الحادثة السيوطي في الدر المنثور ج2 ص250 والدارمي في سننه والبيهقي في السن الصغير والخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه " سئل أبوبكر عن الكلالة فقال إني سأقول فيها برأيي فإذا كان صواباً فمن الله وحده لا شريك له وإن كان خطاً فمني ومن الشيطان والله منه بريء أراه ما خلا الولد والوالد فلما إستخلف عمر قال الكلالة ما عدا الولد فلما طعن عمر قال إني لأستحي من الله أن أخالف أبابكر " ومن هذه الحادثة نتيجتان الأولى أن ابوبكر يجهل أبسط معاني القرآن الكريم " قل الله يفتيكم في الكلالة " سورة النساء , وأن عمر بن الخطاب تابعه في ذلك بعد وفاته ! ومعنى الكلالةهم الإخوة والأخوات من قبل الأم والأب ومن قبل الأب على الأنفراد ومن قبل الأم أيضاً على حدتها .


فمن الناحيّة العلميّة لا نستطيع أن نقول ان أبوبكر كان ( أعلم الصحابة على الاطلاق ) كما يقول ابن حجر وغيره لاقراره على نفسه ولعدم علمه بأبسط المعاني القرآنية الكريمة , نزيد على ذلك قصّة أوردها الترمذي في سننه وصححها باب الفرائض ماجاء في الميراث قال " جاءت الجدة إلى ‏ ‏أبي بكر ‏ ‏تسأله ميراثها قال فقال لها ما لك في كتاب الله شيء وما لك في سنة رسول الله شيء فارجعي حتى أسأل الناس فسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة ‏ ‏حضرت رسول الله ‏فأعطاها السدس " ان كان القرآن لم يذكر شيئا في ميرات الجدة فلم الادعاء يا ابابكر أنه حتى في السنّة لا يوجد شئ أليس السبب هو ( الجهل ) ؟ 


وحادثة الــ ( أب ) و الــ ( كلالة ) تكررت أيضا مع عمر بن الخطاب لكن كان جواب عمر كما في الدر المنثور نفس المصدر الذي ذكرت فيه حادثة سؤال ابوبكر عن الأب فكان جوابه " عن أنس : أن عمر قرأ على المنبر : فأنبتنا فيها حباً وعنباً وقضباً ، إلى قوله : وأَبـا قال كل هذا قد عرفناه فما الأب ثم رفض عصا كانت في يده فقال هذا لعمر الله هو التكلف فما عليك أن لا ندري ما الأب إتبعوا ما بين لكم هداه من الكتاب فإعملوا به ومالم تعرفوه فكلوه إلى ربه


وحادثة الكلالة أيضا وقد مرّ معنا كلام عمر بأنه وافق أبابكر فيها , والجميع يعلم حادثة عمر مع المرأة حيث قال عمر بأن المهور أصبحت غاليّة وأراد ان يضع حدا للمهور حتى يتسنى للرجال الزواج فقد ذكر ابن حجر في المطالب العالية باب النكاح " ركب عمر المنبر منبر رسول الله فقال لا أعرفن ما زاد الصداق على أربعمائة درهم ثم نزل فإعترضته إمرأة من قريش فقالت يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا النساء في صدقاتهن على أربع مائة درهم قال نعم قالت أما سمعت الله يقول في القرآن : وآتيتم إحداهن قنطاراً الآية فقال  اللهم غفراً كل الناس أفقه من عمر " فلم يكن عمر ( عالما ) بالقرآن الكريم لا هو ولا أبوبكر وهذه من أبسط الشواهد التاريخيّة ولو أردنا ان نسترسل لطال بنا المقام


ونقول كذلك أن عمر بن الخطاب ( قص الحق من نفسه ) بقوله " كل الناس افقه من عمر " أو في رواية أخرى " كل أحد أفقه من عمر " . 


حديث للاستئناس ورد في المستدرك على الصحيحين ج3 ص 571 ( قال الذهبي على شرط البخاري ومسلم والحاكم صحيح ) : رأيت قوما مجتمعين على فارس قد ركب دابة وهو يشتم علي بن أبي طالب والناس وقوف حواليه ، إذ أقبل سعد ابن أبي وقاص فوقف عليهم ، فقال ما هذا فقالوا رجل يشتم علي بن أبي طالب ، فتقدم سعد فأفرجوا له حتى وقف عليه ، فقال : يا هذا على ما تشتم علي بن أبي طالب ألم يكن أول من أسلم ألم يكن أول من صلى مع رسول الله ألم يكن أزهد الناس ألم يكن أعلم الناس ، وذكر حتى قال : ألم يكن ختن رسول الله (ص) على ابنته ألم يكن صاحب راية رسول الله في غزواته ثم استقبل القبلة ورفع يديه ، وقال : اللهم إن هذا يشتم وليا من أوليائك فلا تفرق هذا الجمع حتى تريهم قدرتك ، قال قيس : فوالله ما تفرقنا حتى ساخت به دابته فرمته على هامته في تلك الأحجار فانفلق دماغه ومات .




ابوبكر وعمر و ( الشجاعة ) .  


ان كل انسان يخاف على نفسه من الموت بل شدد الاسلام وقال بأن يحافظ الانسان على نفسه وحرّم الانتحار لكنّه بنفس الوقت شرّع الجهاد وأن الميت في سبيل الله شهيد فما بالك ان كانت الشهادة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فهي عظيمة ولكن مع هذا نجد أن أبابكر وعمر قد هربا من المعارك والغزوات بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ولعله أكبر شاهد على هذا الأمر الحادثة التاريخيّة في غزوة خيبر في السنة السابعة للهجرة فقد بيّنت ( فرار ) أبابكر وعمر بكلّ وضوح وجبنهما وأن الشجاعة لا طريق لها معهما . 


يتبع في المقال القادم باذن الله تعالى . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق