نتحدث عن العدالة وكأنها أمر واقعي لا يحتاج منا الى اعادة نظر كرّة أخرى ولا ندر أن لا عدالة مطلقة في حياتنا بل أنها ليست جزئيّة على أقل تقدير بل هي عدالة نسبيّة مختلفة من مجتمع الى آخر من حيث الشدة والضعف أو بالمصطلح المنطقي ( عدالة مشككة ) , أما في عالمنا فلا مكان للعدالة في مجتمعاتنا وعندما نريد ان نعرّف العدل فإننا لو أردنا وصفه وصفا دقيقا نقول هو الذي لا ظلم فيه وهذا محال الا على المعصوم .
فنحن نتحدث عن عدالة جزئيّة وأخرى نسبيّة متفرعّة عنها أما العدالة في مجتمعنا بالأخص - الكويتي - فهي مفقودة للأسف أو بحدودها الدنيا فنحن نطلب العدالة ونفتقدها بنفس الوقت وفاقد الشئ لا يعطيه والسؤال المطروح نحن نطلب العدالة من من ؟ , وما الغاية من طلبها ؟ اجابة هذين السؤالين تبيّن أن العدالة في حدودها الدنيا عندنا كما أسلفت .
فان كنت تطلب العدالة من قضاء فسهام الاتهام وجهت له كثيرا بأنه قضاء مسيّس وغير عادل , نعم نحن نتغنى بكلمة ( قضاؤنا العادل الشريف النزيه ) لكن في الواقع الأغلب يعلم انه قضاء لا يمت للشرف بصلحة ولا للعدالة بالنسب , انما هي كلمات نرددها حتى نقنع أنفسنا بأننا في دولة ذات قضاء نزيه , وعند أوّل قضيّة نقول أنه قضاء زائف .
ضرب المؤسسة القضائيّة أو حتى علامات الاستفهام التي تثار حوله وهي بالأصل تشكيك بنزاهته , كوّن لنا قضاة من نوع آخر وهم القضاة أصحاب القوّة والسلطة والنفوذ , فمن يفصل بين المتنازعين هو الأقوى فأنت قوي ان كنت مع صاحب النفوذ وانت ضعيف ان لم تكن معه , نعم هذه القاعدة ساريّة في كل العالم بل حتى بين العبد وربّه لكن ليس هذا محّل الاشكال .
انما محل الاشكال أن هذا القوي بأيّ ميزان صار قويا ؟ وتحت أيّ معايير و مبررات بات كذلك , هي معاييرنا ومقاييسنا التي صنعناها وقلنا ان هذا قوي وذاك ضعيف لا معايير المنطق والعقل والشرع أبدا انما هو نتاج ما صنعناه بأيدينا ومن ثم عبدناه , فصار القويّ ليس بتقواه انما بمعارفه ونفوذه وسيطرته على أرزاق العباد فضلا عن قوّته العضليّة أو العسكريّة أو كل ما يحد من قوى الآخرين بالمفاهيم و القواعد الماديّة لا المعنويّة .
وبحسب هذه المفاهيم و القواعد الماديّة فنحن نرى أن الحاكم هو القويّ كونه المسيطر وله الحكومة على الناس في مصر من الأمصار , فتصبح العدالة هي ما يقرره القوي والقوي نحن صنعناه بأيدينا وهو الحاكم فمن يحدد معايير ومقاييس العدالة هو الحاكم وهذا الحاكم استثنينا منه المعصوم كوننا لا ننشد العدالة المطلقة فحتى في هذه لا نرجع للحكم المعصوم ولا نلتفت له بل نذهب مباشرة الى الحكم العادل الجزئي .
الآن وقد عرفنا من هو القاضي الذي ننشد منه العدالة وهو صاحب تطبيقها وقطعا هو غير معصوم بل اننا لا نلتفت الى هذا الشرط اساسا نسأل انفسنا السؤال الآخر وهو ما هي الغاية من العدالة ؟ , الغاية هي أن يأخذ كل ذي حق حقه ويرتدع الظالم عن ظلمه وتسود العدالة بأشكالها على المجتمع كلّه .
في هذه النقطة نواجه مشكلتين الأولى أن العدالة جزئيّة والثانيّة أنها غير معصومة , وهذا يسبب عدم القدرة على تحقيق الغاية من العدالة فلا نحن أمام حاكم عادل مطلق ولا نحن أمام عدالة مطلقة , فنحن نقطع يقينا أن العدالة المطلقة لن تطبّق أبدا سوى بحل المشكلتين المذكورتين آنفا - ولن تحل حتى آخر الزمان وظهور صاحبه - فالمحصلّة النهائيّة أننا نعيش في زمن عدالة مؤسسة الحكم الخاضعة للأهواء والخيالات والأوهام بل لو كانت حكيمة فهي ليست حكمة مطلقة .
طبقا للمعاني العالية - العدالة المطلقة والحاكم المعصوم والحكمة المطلقة - التي ذكرناها , هذه لا يمكن تطبيقها في الكويت نهائيا فالعدالة الكويتيّة جزئيّة ونسبيّة كما في العالم أجمع , فان كان لديك حاكم ودستور وشعب لم يعودوا للعدالة المعصومة فهم في ضلال وينشدون سراب .
فتأمّل ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق