اطلالة تاريخيّة على بلاد فارس من العهد القريب ولا نريد أن نجول بالتاريخ الفارسي بمرحلة ما قبل الاسلام بل نتعدى الزمن الى مرحلة الشاه رضا بهلوي الذي نسب اليه التواطئ مع هتلر وتزويده بالنفط في الحرب العالمية الثانية وعندها قامت قوى التحالف العالمية متمثلة بالولايات المتحدة الأمريكيّة والمملكة المتحدة باحتلال ايران ونصّبت محمد رضا بهلوي بدلا من أبيه .
حتى هذه اللحظة وما بعدها كانت ايران تعتبر قوى عظمى في منطقة الشرق الأوسط والخليج ( العربي- الفارسي ) , ان دول المنطقة لم يكن لها حضور سياسي عالمي كونها كانت في طور الاستقلال وفي هذه الفترة كانت ايران ( تشق وتخيّط ) في منطقة الشرق الأوسط فهي تمتلك موارد طبيعيّة كثيرة وكانت تحت سيطرة أمريكا وبريطانيا , لكن مع كثرة النزاعات الداخليّة قامت ثورة اسلاميّة بقيادة الامام الخميني قدس سرّه وأسس على اثرها دولة اسلاميّة من حضور التأييد الشعبي له.
منذ لحظة انقلاب الحكم وتحوّل الدولة من سيطرة أمريكا الى سيطرة فقيه وتغير نظام الحكم من ملكي الى اسلامي بدأت الحرب العالميّة على ايران ولم تهدأ هذه الدولة فدخلت حربا مع المقبور صدام ( الى جهنم وبئس المصير ) دامت ثمان سنوات من 1980 الى 1988 وكانت دول الخليج عبارة عن حليف استراتيجي لأمريكا فدعمت النظام البعثي في حربه مع ايران , في حرب ليس لهم فيها ناقة ولا جمل سوى أنهم حلفاء لأمريكا .
الخيار العسكري في مواجهة ايران لم يجد نفعا وهذا ديدن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية ما إن رأت أن الخيار العسكري ليس له جدى بدأت في الخيار السياسي القائم على سياسة المصالح والتكتلات وبسلاح قوي جدا وهو السلاح الاعلامي , فبدأت الحرب مرّه أخرى على ايران لكن بثوب جديد وهو الغزو الثقافي والفكري , وبعد عشرين عاما بدأت ثقافة ( البعبع الايراني ) تتأصل شيئا فشيئا في نسيج المجتمع الخليجي حتى أصبح العدو الاول لها هو ايران ثم اسرائيل هذا ان كانت اسرائيل عدوّة بعد تطبيع دولة خليجية للعلاقات مع اسرائيل ( قطر ) وتصريح وزير الخارجية القطري المعروف ( نحن لدينا علاقات واضحة مع اسرائيل ولسنا كالبعض له علاقات من تحت الطاولة ) . !
وبدأت الحملات على ايران بأنها دولة فارسيّة وتريد السيطرة على العرب , وأن ايران دولة شيعية وتريد السيطرة على السنّة , وأن ايران دولة ملالي وتريد السيطرة على الملالوة فكل مصيبة في هذا العالم سببها ايران ثم أيّ أحد , وللأسف أصبحت هذه ثقافة متأصلة في مجتمعاتنا كما أسلفنا ولأن أشكال الغزو الفكري متعددة فتارة باثارة النعرات الطائفيّة وأخرى بالعنصريّة وأخرى بالتهويل والتخويف من النووي الايراني .!
طبعا مسألة النووي الايراني هي آخر ( موضات ) الولايات المتحدة الأمريكيّة والمجتمع الدولي , فمن يقرأ التاريخ ولو بشكل يسير يرى أن ايران كانت الحليف الأول لأمريكا والمجتمع الدولي على عهد النظام الملكي , فلم نر اتهاما واحدا من دول الخليج لايران بأنها دولة فارسيّة تريد أن تغتصب الأراضي العربيّة كذلك لم نسمع عن أن ايران دولة مجوسيّة تريد القضاء على الاسلام لكن ما عدا ما بدا ؟!
بالأمس كانت حليفا واليوم عدوا لدودا لماذا لأن المجتمع الدولي خسر هذا الحليف الاستراتيجي وأتى عدوّ استراتيجي ومقتضى الحال يفرض حربا عسكريّة وثقافيّة تبدأ بخلق أعذار لاستمرار العداء الدولي لنظام الحكم الجديد في ايران وهذا ما تحقق على أرض الواقع , بالمقابل أن أيّ مشروع ايراني لاصلاح الوضع بالمنطقة بعد قيام الثورة سوف يصّنف تلقائيا على أنه دعوة كاذبة ومضللة والسبب هو الضعف والهوان العسكري والثقافي لدول المنطقة .
وعلى أثر ذلك تحولّت القضايا الاسلاميّة الى عربيّة وتحولّت المفاهيم الاسلاميّة الى مفاهيم استعماريّة , فتحوّل الحال من الى ..
من الاعتزاز بالوحدة الاسلاميّة الى الاعتزاز بالوحدة العربيّة , من الافتخار بالوحدة الاسلاميّة الى الافتخار بالوحدة الوطنيّة فضلا عن دخول المفاهيم الاستعمارية من لبرالية وعلمانية وديموقراطيّة وبرغماتيّة وشيوعيّة وغيرها من المفاهيم التي أصبحت جزء من واقعنا بل أصبحنا نفتخر بها ونطبقها ونعتز بثقافتنا المستوردة ؟!
ان الخطر الحقيقي ليس هو القوّة العسكريّة وان كانت هذه احدى العوامل الرئيسيّة لكن العامل الرئيسي هو القوّة الثقافيّة والفكريّة للمجتمعات , فالانسان بما هو انسان ينطلق من معتقدات وأفكار حتى يترجمها الى سلوك عملي خارجي وكل عمل أصله معتقد سواء كان نابع من رغبة أو حاجة لكن للأسف نحن مجتمع فاقد للمعتقدات والسلوكيات فليس لدينا ثقافة ولا قوّة بل ما عندنا هو قوّة مستوردة وثقافة مستوردة وان كان لدينا معتقد فقد شابه ما شابه من أدعياء الدين والفساد المستشري في المؤسسات الدينيّة حتى أصبح البعض يعيّر الآخر بأنه متديّن . !
ان الخطر الايراني ماهو الا شاهد حيّ على هواننا وضعفنا ( عسكريّا وفكريّا وثقافياّ ) فنحن من صدّق الكذبة ونحن من روّج لها ونحن من يطبقها بحذافيرها حتى أصبحنا لا نحتاج الى توجيهات خارجيّة كما في بداية الأمر أبدا , بل نحن من نجتهد أيما اجتهاد لتثبيت نظريّة سخيفة استوردناها وآمنا بها .
ان الخطر الايراني ان وجد ليس بهذه الدرجة المهولة التي نصورها لأنفسنا بل لأننا خاوين فكريا وثقافيا نفتخر بما حققه الغرب ناسين ما حققناه , غيرنا كان يعيش الظلام الدامس ونحن نسابق الضوء في سرعته تقدما , لكن هذا جزاء أمة لم تستمع لوصيّة نبيها صلى الله عليه وآله وسلم اني تارك فيكم الثقلين ان تمسكتم بهما ( لن تضلوا أبدا ) كتاب الله وعترتي أهل بيتي .
أحب أن أختم بما نشره موقع ويكيليكس من أقوال الزعماء العرب في ايران واستخدامهم لسياسة النفاق من كثرة الذل والهوان الذين يعيشون فيه حتى اتخذوا النفاق اسلوبا ومنهجا حياتيا ومن ضمنهم ملك المملكة العربيّة السعوديّة الذي كان بالأمس ( يتباوس ) مع الرئيس الايراني واليوم يقول عن بلاده أنها ( رأس أفعى و .. ) .
مقتضى الرجولة أن ما تقوله للآخرين أمامهم لا تقول خلافه من خلفهم .
ومقتضى الفهم أن تعلم ما يدور حولك من مشاريع استعماريّة ولو كانت تحت مسميّات توافق تفكيرك .
فتأمّل
( الحديث عن ايران لم ينته بعد ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق