الخميس، 5 مايو 2011

ظلامات الزهراء عليها السلام - طمس الحقائق 2 - ( 3 / 10 ) .

عدم وجود موازين تفصل بين الحسن والقبيح والخير والشر فضلا عن طمس الحقائق سوف يكوّن للانسان رؤية مشوشة عن أحداث التاريخ والتي سوف يكون لها الأثر السئ على تكوين رمزيّة بائسة لأشخاص لا يستحقون الا الذم والبراءة , لكن لهذه الرؤية المغبّرة صنع الانسان لنفسه رموزا وضعوه في مصاف التخلّف أبد الدهر وجعلوا منه غير قادر على معرفة الحق والباطل بل حكموا عليه بالاعدام وكان هذا الاعدام على عقلّه كيّ لا يفكّر ويتفكر ولا يتأمّل بل يكون تابعا أبد الدهر . 

ان طمس الحقائق أتى بطريقة ممنهجة لكن أصحاب المنهج كانوا يعبرون بطريقة عشوائيّة , فمثلا ابن تيمية الحراني كان يمشي وفق المنهج الموضوع وهو طمس الحقائق لكن عشوائيته جعلت من تابعه الألباني يذمّه في كثير من الأحيان و ( يرقّع ) له أكثر , كذا الحال مع فلتات اللسان التي كانت تظهر من علماء العامة , فموقفهم من ظلامات الزهراء عليها السلام مع أنهم اتفقوا على رفضها لاخفاء الجريمة الكبرى بحق أهل البيت عليهم السلام لكن الطريقة التي اتبعوها كانت عشوائيّة فتارة يقولون لم يحصل شئ بين أبابكر وعمر وأهل البيت عليهم السلام وتارة يقولون حصل لكن الحق كان مع أبابكر وعمر , وتارة يقولون حصلت ظلامات لكن نلتمس العذر بالنتيجة أجمعوا على طمس الحقيقة واثبات رمزيّة أبوبكر وعمر ومن على شاكلتهم . 

وبما أننا في الجزء الثاني والأخير من فصل طمس الحقائق سوف نكثر من الشواهد في هذا المقال , فنلتمس العذر من القارئ لكن المقام يوجب بيان المقال .

في كتاب السنة لاحمد الخلال في باب التغليط على من كتب الاحاديث التي فيها طعن على اصحاب الرسول صفحة 501 يقول في حديث 801 ما نصّه ( فلما مرت أحاديث المثالي - التي فيها مثالب على الصحابة - وضع أحمد بن حنبل إصبعيه في أذنيه طويلا حتى مر بعض الأحاديث ثم أخرجهما ثم ردهما حتى مضت الأحاديث كلها ) , فالنهج المتبع كان بعدم الاصغاء الى تلك المثالب فلم يكن اهتمام العامة بـ ( الحق والباطل ) أبدا كان اهتمامهم بكيفيّة تقديس الأشخاص على حساب الحق والباطل , وفي حديث رقم 819 ننقل (  فأخرج إليه أبو عوانة كتبه فألقاها في التنور فسألت خالدا ما كان فيها قال حديث الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان قال قال رسول الله استقيموا لقريش وأشباهه قلت لخالد وأيش قال: حديث علي أنا قسيم النار قلت لخالد حدثكم به أبو عوانة عن الأعمش قال نعم . ) , فحتى أحاديث فضائل أهل البيت عليهم السلام ( تحرق ) لأن القاعدة الذهبيّة التي قال بها الذهبي ( وجب طيه واخفاؤه بل اعدامه ) , الكلام في هذا الباب كلّه يشير الى أمرين ( اخفاء ) الأحاديث و ( احراقها - أيّ اعدامها ) وبالمناسبة الاحاديث في هذا الباب أغلبها صحيحة ويذكر ذلك في الهوامش . 

وفي شرح العقيدة الواسطيّة لابن تيمية يقول ابن عثيمين ص477 (  ولا شك أنه حصل من بعضهم - يعني الصحابة - سرقة وشرب خمر وقذف وزنى بإحصان وزنى بغير إحصان لكن كل هذه الأشياء تكون مغمورة في جنب فضائل القوم ومحاسنهم وبعضها أقيم فيه الحدود فيكون كفارة ) , وهنا تتجلى بوضوع عقيدة الارجاء لدى القوم فهم قالوا بأن لله تعالى أن يظلم وأن يعدل فزادوها أن الصحابة دام أنهم آمنوا فلا تضر المعصية مع ذلك وهذا من مبادئ المرجئة - للتنويه فقط . 

طبعا لفظ ( لكن ) التي أتبعها ابن عثيمين بقول ( كل هذه الأشياء تكون مغمورة في جنب فضائل القوم ) ثم أردف قائلا ( وبعضها أقيم فيه الحدود فيكون كفارة ) , طبعا ليس الكل اقيم عليه الحد ثم ان علماء العامة وصلوا الى حد تعطيل حدود الله سبحانه وتعالى فكما ينقل شمس الحق الابادي في كتابه عون المعبود عن العلامة السيوطي في صفحة 120 عن ج12 ( أن الصحابة خصوا في ترك الحدود بما لم يخص به غيرهم فلأجل ذلك لا يفسقون بما يفسق به غيرهم خصوصية لهم ) , فالمسألة ليست بحدود أو لا , المسألة أن لهم ما يفعلون وكل ماله صلة بمثالبهم ( يعدم ) ! 

الصورة التي أرادوا ايصالها للناس هي ( ان كل من يذكر ما جرى في التاريخ بين الصحابة فهو ينتقص الصحابة وبالتالي وجب أن نعدم ونخفي كل ما كان بينهم ) هذا أساس (( طمس الحقائق )) . 

نقل عن أحمد بن حنبل في الصارم المسلول باب العقيدة ج3 ( إذا رأيت رجلا يذكر أصحاب رسول الله ( ص ) بسوء فاتهمه على الإسلام ) وقال كذلك  (  لا يجوز لأحد أن يذكر شيئا من مساويهم ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا نقص فمن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبه وعقوبته ليس له أن يعفو عنه بل يعاقبه ويستتيبه فان تاب قبل منه وإن ثبت أعاد عليه العقوبة وخلده الحبس حتى يموت أو يراجع  ) . 

ويقول ابن تيمية في شرح العقيدة الواسطيّة - باب منهج أهل السنة النهي عن الخوض في نزاعات الصحابة - ما نصّه ( ويمسكون عما شجر بين الصحابة ) . ويقول الشيخ عبدالرحمن البراك في شرحه  (  يمسكون لا يخوضون في هذا، بل يعرضون عنه ويغفلون عنه... - الى ان قال - إذن لا يخوضون في هذا لا كلاما ولا كتابة وتعليقا ) .أما تعليق الشيخ صالح الفوزان في هذا الأمر فهو أفحش حيث قال (  فمن تدخل فيما حصل بين الصحابة وصار في قلبه شيء،فهذا زنديق، فأما من قال: نتدخل فيما حصل بين الصحابة من باب البحث، فهذا خطر عظيم ولا يجوز ) . 

فيترتب على هذا كلّه أن البحث " مجرّد البحث " في ظلامات الزهراء عليها السلام بشكل خاص وظلامات أهل البيت عليهم السلام بشكل عام يجعل الانسان متهما في دينه وزنديقا بل ملحدا , بل مجرّد " البحث عن الحق والباطل " يجعل من الانسان خارجا من الملّة , فكان هذا المنهج الذي رسموه لعدم معرفة الحق وجعل الناس همج رعاع , فلا يحق لك أن ( تبحث ) ولا يحق لك أن ( تعرف الحق من الباطل ) أنت لك الحق في أن تؤيدهم فقط وفقط . 

ورسالتنا لهم هي أن هذا الاسلوب وهذا المنهج أصبح بدائيا لا قيمة له فيحق لكل انسان أن يبحث ويغربل كتب التاريخ حتى يعرف ماهية الأشخاص الذين يقدسهم ويعتبرهم رموزا وانهم مثالا للحق , وأن اتباعهم هو الذي يحقق لديه المنظومة الفكريّة التي تصاغ على شكل مبادئ وقيم يتمسك بها فينهض بانسانيته الى الكمال , بل من هنا يعلم الانسان أن تسافله القيمي والمبدئي قائم على عدم معرفة الحق من الباطل فيعيش جهلا مركبا . 

فعندما يتمسك الانسان بالامام علي بن ابي طالب عليه السلام ويستلهم منه القيم والمبادئ السامية مغاير تماما عما اذا تمسك بعمر بن الخطاب وأخذ منه مبادئه وقيمه فتراه يتسافل لا يتكامل لأنه أخذ مبادئ وقيم سافلة أساسا , وهنا يجب ان تكون لنا وقفة جادة مع النفس في البحث والخوض في هذه المسائل لا أن ندفن رؤسنا بالأرض ونقول تلك أمة قد خلت , أمة قد خلت في حالة واحدة ان كنا لا نستقي منها مبادؤنا وقيمنا أما والامر ليس كذلك فيجب أن نعرف من أين نأخذ المبادئ والقيم التي نستطيع بها تغير حالنا على الصعيد النفسي والمجتمعي . 

وبداية هذه الوقفة هي بالوقوف على شخصيّة ورمزيّة أبوبكر وعمر وهذا ما سوف نتناوله في المقال القادم , وننوه أننا لن نخرج من دائرة الموضوعيّة في تشخيص الأمور بل سوف نستعرض كل ما يتوفر من أدلة " صحيحة " تثبت ما توصلنا اليه من نتيجة , وأن البحث في " ظلامات الزهراء عليها أفضل الصلاة والسلام " ليس لمجرّد نبش الماضي وتأليب طائفة على أخرى بل هو لمعرفة مبادئ وقيم تكوّن لنا فلسفة نظريّة ننطلق من خلالها الى فلسفة عمليّة تسمو بالانسان .  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق