الجمعة، 29 يونيو 2012

ارادة الأمة



ان حال المجتمعات البشريّة في تطوّر دائم ومقتضى التطور ديمومة التغيّر في الحال , فليست من سمات المجتمعات البشريّة الجمود انما هي حالة تغيّر سواء كان التغير ايجابي أو سلبي المهم أنها تتغير , أما الأمور الثابتة في المجتمعات البشريّة هي المبادئ والقيم والمعاني الساميّة التي يحاول المجتمع ترسيخها والمحافظة على ثباتها ومواكبة التطور دون المساس بها . 

فكل مجتمع يحافظ على قيمه من خلال نظريات متعددة تتحول إلى عادات وتقاليد وسلوكيات خاصة وأيّ خطر يواجه هذه العادات التي وضعت بالاصل للمحافظة على النظريّة المعتمدة لدى المجتمع تواجه بكل قوّة , فالمجتمع يسمح بطرح النظريات بما هي نظريات ويقبل الأخذ والرد بها لكن لا يقبل أن تتحول إلى سلوك مجتمعي يؤدي الى نقل الخلاف من كونه خلافا نظريا الى خلافا اجتماعيا . 

وبالتالي تتشكل لدينا ارادة أمة تنقل المجتمع من النظريّة الى التطبيق , وهذه الارادة تواكب التطور كما أسلفنا لكنها تحاول دائما ترسيخ المبادئ والقيم التي تحفظ كيان المجتمع وتدفعه باتجاه الاصلاح وكما يقرر علماء الاجتماع أن أيّ مجتمع متعدد الثقافات أكثر احتواء من غيره ولكنّه يجب أن يكون ذات صبغه ثقافية واحدة بالمجمل أو أن تسيطر عليه ثقافة واحدة كأن يكون المجتمع رأسمالي فقط أو شيوعي فقط مع عدم تجريم الاطلاع على الأنظمة الاقتصاديّة الأخرى أما على مستوى العقيدة فالديانة المعتمدة مطلوبة فيصبح لديه مقياس و معيار لقياس الشاذ عن النظريّة . 

مشكلة المجتمع الكويتي أن لديه نظام اقتصادي واحد ولديه ديانة معتمدة لكنّه بنفس الوقت اتفق على دستور أقر أكثر من نظام اقتصادي وأكثر من ديانة ! , وكل فرد في هذه الأمة يحق له فرض نظريته وتحويلها الى نشاط عملي والأفراد الأكثر تنظيما هم القادرين على تحريك الجمهور الى ثقافتهم وطرحها حتى يصير أمرا واقعا ! . 

وبالاتفاق أن الأحزاب هم الأكثر تنظيما في المجتمعات المدنيّة أو لنقل المجتمعات المواكبة للتطور ولو بشكل بطئ أو حتى تدريجيا فــ ( ارادة الأمة ) تصير مرهونة بيد المجموعات المنظمة ( الأحزاب ) سواء - في بدايتها أو نهايتها - , فلو انتفض الشعب كلّه في البداية دون أجندة حزبيّة بالنهاية الاحزاب تقطف الثمار أما لو كانت في البدايةفالأمر واضح . 

هذا لو كانت لدينا أحزاب سياسيّة بالمعنى الدقيق ولكن في الكويت تجمعات سياسيّة وتكتلات ذات توجه واحد ومصنّفة حسب الفئة والطبقة والطائفة , بالنتيجة ( ارادة الأمة ) قوامها فئة أو طبقة أو طائفة وهذا أمر طبيعي لكن الغير طبيعي أن تستغل هذه الارادة لشئ واحد فقط وهو ( مصلحة المجموعات المنظمّة - الأحزاب - ) . 

وأختم بمثال بسيط يوضّح الأمر بشكل سليم , حركة حل مجلس 2012 أو ابطاله كما هو - حكم أو قرار - المحكمة الدستوريّة هذه من الأمور التي يمكن القطع بأنها من تدبير السلطة ولكن بالطرف المقابل لدينا سياسيين لديهم من الحنكة السياسيّة ما يجعلهم قادة للمجتمع والتعبير الحقيقي عن ارادة الأمة كما يزعم البعض , هؤلاء السياسيون الذين قادوا الشارع وعبروا عن ارادة الأمة كيف تفوتهم هذه النقطة - الخطأ الاجرائي - مع تأكيد أكثر من خبير دستوري بأنه خطأ اجرائي صارخ ؟ 

الجواب لا يخلو من أمرين : إما أن هؤلاء الساسة لا يعلمون بهذا الخطأ الاجرائي الصارخ وهذا ( غباء محض ) , أو أنهم كانوا يعلمون فما هي المصلحة التي حققوها ؟ 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق