الجمعة، 22 فبراير 2013

الأحزاب ..






مقدمة :: 

يقرر علماء الاجتماع أن الانسان اجتماعي بطبعه فهو غير قادر على العيش بمفرده ولو كان كذلك لصار مريضا يحتاج الى علاج , انطلاقا من كونه اجتماعي يترتب على ذلك أنه محتاج الى الانتماء , مضافا الى كونه اجتماعي يجب ان يكون منتمي . 

عدم كون الانسان اجتماعي يعني ذلك حالة مرضيّة لكن عدم كونه منتمي لا يعد مرضا بالضرورة , بالمحصلة هناك من علماء الاجتماع من يرون أن الانسان حتى لو ادعى عدم انتمائه لأيّ جهة أو حزب فهو منتمي إلى نفسه وهذا ناشئ من قراءتهم للانسان لكونه محبا لذاته وهذه غريزة مودعة فيه . 

حب الذات هو المحرّك الرئيسي لاجتماعيّة الانسان وانتمائه , فلأنه يحب ذاته فهو يريد توفير حاجاتها الأوليّة والثانوية أما الأولية هي التي لا يستطيع العيش إلا بتلبيتها كالتنفس والجوع والعطش والجنس والغضب ويختصرها علماء النفس بقولهم ان الانسان مودعة فيه غريزتين ( غريزة جلب اللذة و غريزة دفع الألم ) أما غريزة جلب اللذة فهي العاملة على جلب كل منفعة للانسان وغريزة دفع الألم عاملة على دفع كل ضرر يلحق به .

والحاجات الثانوية عبارة عن حاجات يمكن العيش دون تلبيتها لكن لا يمكن أن يتحقق العامل الاجتماعي دونها , أيّ ان الانسان لا يستطيع ان يكون اجتماعيا إلا بها كالقيادة والشهرة والمكانة الاجتماعيّة , عموما وجب على الانسان أن يلبي حاجاته الأساسيّة لكي يعيش وحاجاته الثانوية لكي يحقق حياة اجتماعيّة هادفة أو غير هادفة المهم أن يحقق حياة اجتماعيّة ! 

وتجدر الاشارة الى أن علماء الاجتماع يلخصون ما سبق بنظريّة ( امتداد الوجود ) بقولهم : بما أن الانسان يحب ذاته فهو يحب بقاؤها بشكل دائم فيلجأ الى المجتمع حتى يخلّد ذكراه ولو بعد موته ومرحلة تخليد الذكرى تتم عن طريق تلبية حاجاته وحاجات الآخرين الأوليّة والثانوية أي منذ بداية حياته إلى لحظات الشعور بالفناء هو في حركة تعزز حبّه لذاته . 

معنى الأحزاب :: 

بعد هذه المقدمة نقول أن الحزبيّة أمر لا بد منه لأيّ انسان فالحزبية أو الحزب ببساطة هو عبارة عن مجموعة من الأفراد وضعت لها أهداف وغايات تسعى لتحقيقها بالوسائل الواقعيّة المتاحة , أو قل هي مجموعة من الأفراد إلتفت حول مبادئ وقيم ووضعت خطط لترسيخ هذه المبادئ وتحقيقها على أرض الواقع . 

ان الحزبيّة أمر مشروع و ( لا بد منه ) اجتماعيا كما أسلفنا وأيضا دينيا , فالاسلام لم يلغ الحزبيّة بل عززها بقوله تعالى ( ألا ان حزب الله هم المفلحون ) المجادلة / 22 ولست في مقام تفسير ( حزب الله ) الواردة في الآية لكن بأقل تدبر تجد أن هناك ( حزب للشيطان ) ويأتي في قباله حزب لله تعالى . 

أن تكون من حزب الله يعني أن تلتزم بكل ما أتى به الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الكرام البرره , فلا يمكن أن تكون من حزب الله إلا بموالاتهم والانقياد لهم وبالبراءة من عدوهم ( حزب الشيطان ) . 

الحزبية في واقعنا المعاصر :: 

وجب ألا نغفل محاولات تقمّص دور ( حزب الله ) فــ ( كل حزب بما لديهم فرحون ) الروم / 32 وكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذلك , كما وجب التنويه أن ليس كل من قال أنا من حزب الله فهو كذلك , انما المسألة معايير وشروط وجب الالتزام بها وإلا فلا . 

ان الحزبيّة في واقعنا المعاصر عبارة عن حزبيّة سياسيّة في الأعم الأغلب منتحلة الدين ذريعة لتحقيق غاياتها أو قل ان الاحزاب مبادؤها دينية ووسائلها سياسيّة , وأقصد الوسائل السياسية المصلحيّة لا المبدئية ويمكن مراجعة الفرق في مقال سابق ( لهذا لا أتكلم بالسياسة ) . 

أكاد أن أجزم أن كل الأحزاب الدينية تعمل وفق المصلحة لا المبدأ , بل إني أجزم أن الأحزاب الدينية بالكويت كلها مصلحيّة لا مبدئية فهي تجعل من المبدأ شعار والمصلحة هي الوسيلة فمبدأ الغاية تبرر الوسيلة هو العنوان العام الذي تندرج تحته الأحزاب الدينية . 

كيفيّة عمل الأحزاب :: 

ان الأحزاب تعتمد على نظريّة العقل الجمعي ونقصد بالعقل الجمعي هو تأثر الجماهير بمجموعة معيّنة واعتقادها أنها تمثل السلوك الصحيح كونها لا تعرف تكليفها , فالأحزاب ببساطة تعمل على استقطاب الجماهير التي لا تعرف تكليفها وما لها وعليها في أيّ موضوع مطروح في أيّ مجال كان . 

تزداد قوّة أيّ حزب ان كانت شعاراته دينيّة في المجتمعات ذات الصبغة الدينيّة لأن أفراد المجتمع يشعرون بخطورة عدم تطبيق الدين بل يشعرون بوجوب وجود جهة تمثّل الدين وتسعى لنشره في المجتمع حتى تخلّص المجتمع من كل الرذائل وتجعله مجتمع ديني راقي وبالتالي يفوزون بالدنيا والآخرة . 

ان الأحزاب داخليا تعمل كالمؤسسات العسكرية فوجب أن يكون لها قائد عام وادارة تحت هذا القائد والأفراد المنتمين للحزب وأتناول الفرق البسيط بين الأحزاب والمؤسسات العسكرية بأنه الأوامر العسكرية غير قابلة للنقاش وواجبة النفاذ تحت أيّ ظرف كان , أما الأحزاب فلديها ثلاث أنواع من الأوامر أولها أوامر واجبة التنفيذ تحت أيّ ظرف كان كالمؤسسات العسكرية وثانيها أوامر ممكنة التنفيذ أيّ ليس لرئيس أو قائد المجموعة تنفيذها فورا وتكون بعيدة المدى أما الأخيرة أن التنفيذ يكون حسب المأمور حتى يشعر أن لديه فسحة ولا يعيش ضغوطا عليه وهذه الأخيرة دائما ما تستعمل حسب تشخيص القائد لأفراده . 

لا غرابة أن هناك تصنيف عسكري في الحزب فهو عمل مؤسسي عسكري بثياب مدنيّة وهذه المقارنة تتضمن ايضا التصفية أو الفصل من الحزب لمن لا يلتزم بالأوامر لكن التصفية ليست بالضرورة تصفية جسدية أو عقاب جسدي , انما عقاب وتصفية نفسيّة واجتماعيّة بنفس الوقت فكل من تسول له نفسه الانشقاق عن الحزب يصفى لكن التصفية درجات حسب معرفة الفرد بأسرار الحزب الداخليّة والعلاقة بينهما طرديّة فكلما زادت معرفة الفرد زادت قوّة التصفيّة وكلما قلّت المعرفة قلّت قوة التصفية . 

أثر الأحزاب على الدين :: 

لم أتطرق إلى أثر الأحزاب على المجتمع لأن الخطورة تكمن في ادعاء الحزبيّة لله تعالى وليس للمجتمع , فلو رأينا حزبا ينادى بالوطن وحماية الوطن والحفاظ عليه لما وجدنا ضررا يعتد به مقارنة بمن يدعي أنه يمثّل الاسلام والنهج المحمدي الأصيل . 

أثر الأحزاب على الدين خطر جدا لأن الوسائل التي يعمل بها الحزب كما أسلفنا وسائل سياسية مصلحيّة أي انه يقدّم المصلحة على المبدأ فأينما توجد المكتسبات الدنيوية يقتنصها باسم الدين وأكبر شاهد على ذلك أن كل الأحزاب الدينية تسعى للسلطة والحكم ولو بشكل نسبي لا كامل . 

قد يقال لا ضرر من ذلك انما سعيه للحكم والسلطة لتطبيق الشريعة الاسلاميّة بشكلها الأمثل وهذا لا يتم إلا بالحكم والتحكم بزمام الأمور , نقول لا اشكال ولا ريب بهذا الكلام لكن أعطونا دليل واحد على مدى التاريخ لدولة طبقت الشريعة الاسلاميّة بشكلها الأمثل ؟! 

دولة المعصوم وإلا فلا , ثم نقول أن الأحزاب تستغل القضايا الدينية بشكل صارخ لتحقيق غايات ومصالح دنيوية فان كان لديكم مثال واحد على حزب يطبق الدين بشكله الأتم غير الحزب الذي مدحه القرآن الكريم آتونا به ونحن من الشاكرين . 

وقد يرد أنني أرفض الدولة الدينيّة بالمجمل , أقول لا ليس هذا ما أصبو إليه انما الخلاف دائما حول التطبيق فحتى الجمهورية الاسلاميّة الايرانية لا تطبق الأحكام الاسلاميّة بل تنتهكها بشكل صارخ ويكفيك أنها بعد وفاة السيد الخميني قدس سره قامت بسن قانون تحديد النسل ! 

نعم تحديد النسل وقد قام مؤخرا السيد الخامنئي بالاعتراف بهذا الخطأ الجسيم , ومن أبجديات الدين لكل مسلم أن تحديد النسل حرام ولا يجوز ! , أما أن تأتي وتكلمني عن المملكة العربية السعوديّة فلا أعترف بها كدولة اسلاميّة أصلا !  

الأحزاب تستغل كل شئ حتى الدين لتحقيق مصالحها وهذا سبب ردة فعل لدى الأفراد فمنهم من ترك الدين ومنهم من ترك المتدينين الحقيقيين , ولجأوا إلى العلمانية والماركسية والبرجماتية بل حتى إلى الحداثيين وكل فئة من هذه تلعن أختها ! 

خاتمة :: 

لا أدعو إلى ترك الحزبيّة بالمجمل , ولكن أن يكون حزبك هو حزب الله تعالى فقائدك النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة المعصومين من بعده وعلماؤنا الأعلام الذين اهتدوا بنور العصمة وأسسوا لنا هذا التراث العظيم . 

ان أعظم مشكلة تواجه الأفراد الذين يلتحقون بالأحزاب هو الجهل أما الحزبي فقد شرب حليب الحزب ومبادؤه ويرى أنه الحزب القويّ الذي يطبق أحكام الله تعالى في أرضه ويرى أن الاعتراض على الحزب فيه من سوء الظن المذموم ولا يدري أنه يعيش حالة بهيمية من صرعة الاسترسال بحسن الظن ! (هل سوء الظن مذموم دائما ؟ ) . 

وأختم قولي بقول أمير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب عليهما السلام لكميل بن زياد رضي الله عنه ( يا كميل ... ان ها هنا ( وأشار الى صدره الشريف ) لعلما جما لو أصبت له حملة , بل أصبت لقنا غير مأمون عليه " مستعملا آلة الدين للدنيا " ومستظهرا بنعم الله على عباده وبحججه على أوليائه , أو منقادا لحملة الحق لا بصيرة له في أحنائه ينقدح الشك في قلبه لأول عارض من شبهة , "" ألا لاذا ولا ذاك "" ! ... أو منهوما باللذة سلس القياد للشهوة أو مغرما بالجمع والادخار ليسا من رعاة الدين في شئ أقرب شئ شبها بهما الأنعام السائمة كذلك يموت العلم بموت حامليه . 





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق