الاثنين، 21 سبتمبر 2020

دراسة تحقيقية


تتناول هذه الدراسة المتواضعة أغلب المباحث التي يطرحها بعض المؤمنين أمثال عبدالحليم الغزي وكمال الحيدري وجهاد الموسوي وأحمد مصطفى يعقوب والله ياري وغيرهم ممن تابعهم ووثق بكلماتهم وركن إليهم , ونزعم أننا رصدنا  أغلب المباحث التي يتداولونها ويستندون عليها في التشنيع على العلماء الأعلام  في شتى الوسائل الإعلامية وقد حصرنا مباحثهم  وهي :

 

تأثر علماء الإمامية منذ زمن الغيبة بالمخالفين بدليل علم الأصول والقول بأنه من المخالفين وأسسه الشافعي

الشيخ الطوسي شافعي وادخل منهج الشوافع بمنهج أهل البيت عليهم السلام

العمل بالاجتهاد وهو مبني على القياس والرأي

علم الرجال يقطع أحاديث أهل البيت عليهم السلام ويلغيها

إلغاء حكم العقل واعتماد النقل.

العمل بالظن في الأحكام الشرعية

تفسير القرآن بالروايات وعدم حجية ظواهر القرآن وحرمة التفسير بالرأي .

والنتيجة التي توصلوا لها هي اسقاط اعتبار كل العلماء والفقهاء وتفسيقهم وتسقيطهم منذ زمن الشيخ الطوسي إلى يومنا كونهم يبنون علمهم على كل ما سبق ذكره ودائما ما يشددون على الرجوع إلى أهل البيت عليهم السلام لكن رجوع دون ضوابط علم الأصول ولا علم الكلام ولا علم الرجال ولا العقل ولا شيء سوى الروايات بما هي روايات .

 

لذا رأينا من المناسب أن نرد على هذه المباحث المطروحة بشكل تفصيلي يرفع الالتباس عن المؤمنين بعدما عصفت بهم التشكيكات التي ساقها من ذكرناهم فبالله نستعين .

 

المبحث الأول : أن الشيخ الطوسي شافعي واعتمدوا على نقل المخالفين من العامة وهم :

1- السيوطي 911 هـ (محمد بن الحسن بن علي أبو جعفر الطوسي شيخ الشيعة وعالمهم له تفسير كبير عشرون مجلدا وعدة تصانيف مشهورة قدم بغداد وتفنن وتفقه للشافعي ولزم الشيخ المفيد مدة فتحول رافضيا ) ([1])

 

 2- الذهبي 748 هـ ([2])  ( أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي . قدم بغداد ، وتفقه أولا للشافعي . ثم أخذ الكلام وأصول القوم عن الشيخ المفيد رأس الامامية ) وفي مصدر آخر (وتفقه للشافعي  ولزم الشيخ المفيد مدة ، فتحول رافضيا ) ([3])

 

3- السبكي 771 هـ  ( محمد بن الحسن بن علي أبو جعفر الطوسي ، فقيه الشيعة ومصنفهم كان ينتمي إلى مذهب الشافعي ، له تفسير القرآن وأملى أحاديث وحكايات تشتمل على مجلدين ، قدم بغداد وتفقه على مذهب الشافعي وقرأ الأصول والكلام على أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المعروف بالمفيد ). ([4])

4- ابن حجر852 هـ ( الحسن بن محمد بن الحسن بن علي الطوسي أبو علي بن أبي جعفر سمع من والده وأبي الطيب الطبري والخلال والتنوخي ثم صار فقيه الشيعة وإمامهم ) . ([5])

 

الملاحظ من كلام السبكي نسبة الشيخ الطوسي للشافعية ولم يقدم دليلا على دعواه ولما ذكر كتب الشيخ كأنه لم يذكرها فقوله له تفسير وأمالي هذه معرفة سطحية بالعالم الجليل وصاحب الكرسي في زمنه ومن المعلوم أن الأمالي والتفسير كتب دالة على عموم المعرفة بشخص لا خصوصها فالعلم الاجمالي متحصل بهذه الجملة , وهو ما يدفعه العلم التفصيلي من الثقات الإمامية كما ستعرف إن شاء الله .

 

أما الذهبي فقد قال تفقه للشافعي وتحول رافضيا وهو عين كلام السيوطي المتأخر عنه , قلنا أن التفقه لمذهب او على مذهب لا يوجب الانتماء له , وقوله تحول رافضيا فهو لأن مذهب الذهبي ([6]) بأن كل من فضل الأمير على الشيخين صار رافضيا والشيخ الطوسي أظهر في مؤلفاته سطورا كثيرة بالتفضيل المذكور. وترجمة ابن حجر فهي تنقل عمن سمع الشيخ الطوسي رحمه الله وليس فيها ما يثبت مذهبه وقوله ثم صار فقهيا للشيخ فهو ناظر الى دراسته ثم زعامته للشيعة .

 

من العامة ترجموا للشيخ الطوسي ولم يذكروا نسبة الشافعية :

 

5- ابن كثير الشامي المتوفى 774 هـ :

أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي فقيه الشيعة ودفن في مشهد علي وكان مجاورا به حين أحرقت داره بالكرخ ، وكتبه ، سنة ثمان وأربعين إلى محرم هذه السنة فتوفي ودفن هناك ثم دخلت سنة احدى وستين و أربعمائة ([7]) .

 

6- ابن الأثير  606 هـ المتقدم عليهم جميعا  قال : (وفي المحرم أيضا توفي أبو جعفر الطوسي فقيه الإمامية بمشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ). ([8])

 

أقوال علماء الإمامية : 

أما علماء الشيعة أعلى الله كلمتهم فقد أجمعوا على كون الشيخ الطوسي قدس الله روحه إماميا فقهيا وجيها زعيما للطائفة بلا خلاف من معاصريه حتى يومنا هذا .

 

النجاشي 450 هـ " أبو جعفر جليل في أصحابنا ، ثقة ، عين  "

منتجب الدين بن بابويه 585 هـ " الشيخ الجليل أبو على الحسن بن الشيخ الجليل الموفق ابى جعفر محمد بن الحسن الطوسى  فقيه ثقة عين ، قرء على والده جميع تصانيفه "

العلامة الحلي 726 هـ " شيخ الامامية رئيس الطائفة "

ابن داود الحلي 740 هـ " محمد بن الحسن بن علي الطوسي أبو جعفر شيخنا شيخ الطائفة وعمدتها  قدس الله روحه أوضح من أن يوضح حاله " ([9]) ( كل علماء الإمامية أجمعوا على ذلك فراجع التراجم ) 

 

الرجاليون الشيعة عندما يترجمون لعالم يذكرون مذهبه السابق ويدل على ذلك ترجمتهم على سبيل المثال لا الحصر لمحمد بن عبدالرحمن بن قبة ([10]) حيث كان من المعتزلة ثم استبصر و محمد بن مسعود العياشي صاحب التفسير ([11]) الذي كان من العامة ثم تحول للإمامية .

 

( * ) ترجمة علماء الشيعة للطوسي أسبق من ترجمة المخالفين فعلماؤنا ترجموا للشيخ منذ 450 هـ وعلماء العامة كالذهبي في 748هـ  والسبكي 771 هـ ترجموا بهذه التواريخ , فهي دعوى ظهرت بعد 200 عام من وفاة الشيخ الطوسي على أقل تقدير فاعجب ما عشت أراك الدهر عجبا !! 

 

اعلم إن هذه الدعوى لاثبات أن الشيخ الطوسي قدس الله روحه قد تأثر بالعامة وأخذ عنهم ومقصودهم بالتأثر لا عموم التأثر كون التراث العلمي قائم على التراكمية والتلاقح الفكري والتبادل المشترك إنما مقصودهم بالتأثر هو إدخال معتقدات العامة وأحاديثهم ومزجها مع تراث أهل البيت عليهم السلام وما ذكروه من شواهد على شافعية الشيخ لاثبات هذه النسبة فقط وقد علمت أن ما ذكروه لا ينهض وما يدل على صحة ما نقول غير الكلام السابق شواهد منها :

أساتذة الشيخ الطوسي في خراسان وقبل ذهابه الى بغداد أربعة أولهم والده وأبوحازم النيسابوري الأشعري الشافعي والمقري النيسابوري وهو إمامي وأبوزكريا الحمداني الذي كان يروي عن الشيخ الصدوق قدس الله روحه وأخذ عنه الطوسي روايات أهل بيت العصمة عليهم السلام. ([12])

هجرة الشيخ الطوسي من خراسان لسببين : هربا من القتل والتنكيل الذي أحدثه محمود الغزنوي والسلفية بالشيعة و طلبا للعلم في عاصمة العلم بغداد . ([13])

 

زيارة الشيخ الطوسي لقبر السفير الأول عثمان العمري حيث قال : " فكنا ندخل إليه ونزوره مشاهرة، وكذلك من وقت دخولي إلى بغداد وهي سنة ثمان وأربعمائة إلى سنة نيف وثلاثين وأربعمائة " ([14])

 

 دخل الشيخ الطوسي بغداد عام 408 هـ وهو بعمر 23 عام وألف كتاب تهذيب الأحكام الذي فيه 13590 حديث و الذي رتبه على ترتيب مقنعة المفيد في حياة الشيخ المفيد ومن المعلوم أن المفيد توفي 413هـ وهذا يعني أن الشيخ الطوسي شرع بتأليف كتاب من الكتب الأربعة وهو في سن لا تتجاوز 25 عام ([15]) .

 

الشيخ الطوسي تتلمذ على يد المفيد منذ دخوله بغداد 5 سنوات وعلى يد الشريف المرتضى 23 سنة ثم تصدى لزعامة المذهب . ([16])

الشيخ الطوسي ألف كتاب الخلاف ورد فيه على المخالفين في الفقه وألف كتاب الاحتجاج في العقيدة ورد فيه على المخالفين وكتب أخرى , فدعوى أنه تأثر بهم غير تامة بل يكون العكس أولى أنه قرأ كتبهم للرد عليهم وهو حاصل في مجموع ما وصلنا من كتبه . ([17])

 

 دعوى أن الشيخ الطوسي من المخالفين قد صدرت من المخالفين أنفسهم وهو ما يتعارض مع أقوال الإمامية قاطبة وعند تعارض قول المخالف والإمامي فالإمامي قوله مقدم بحسب بيانات أهل بيت العصمة كما هو معلوم .

 

الشيخ الطوسي قدس الله روحه نفسه يصرح بأنه إمامي فحتى لو ادعى غيره أنه مخالف فقوله مردود إليه ولم نجد في تاريخه شاهدا على كونه شافعي المذهب والبينة على من ادعى.

 

نستخلص مما سبق أن اتهام الشيخ الطوسي بكونه شافعي المذهب تهمة جاءت من المخالفين لم يقدموا عليها دليلا بل اكتفوا بدعوى أن الشيخ درس عند بعض الشوافع ومجرد الدرس لا يدل على المعتقد ولو كان الأمر كذلك لكان كل من درس عند الإمام الصادق عليه السلام صار شيعيا إماميا وهذا لا يقول به عاقل , وعلمت أن بعض المخالفين ترجموا للشيخ على أنه فقيه الشيعة وزعيمهم أضف إلى ذلك إجماع الطائفة المحقة بأن الشيخ رأس الإمامية وقد سقنا الشواهد التي تنفي أنه مخالف وبهذا يظهر أن هذه الدعوى التي أريد لها القول بأن الشيخ الطوسي تأثر بالمخالفين باطلة وتصطدم بتراث الشيخ قدس الله روحه والمراد منها التعمية والتشكيك .

 

نعم لقد ساقوا شاهدين على التأثر بمعنى إدخال تراث المخالفين بتراث أهل البيت عليهم السلام حيث قالوا أن الشيخ الطوسي كان يقول بالوعيد فقد ذكر العلامة الحلي (وكان يقول أولا بالوعيد ، ثم رجع ) ([18]) وما يدل على ذلك كتاب له باسم المسائل الرازية في الوعيد ([19]) .

 

الجواب :

أما كلام العلامة الحلي فهو بنفسه رد , وأما المسائل الرازية فهي كما ذكر الشريف المرتضى قدس الله روحه في رسائله ([20]) هذه المسائل الرازية ورد عليها بمعونة الشيخ الطوسي ولا بأس بايراد ما قاله ابن شهرا شوب ([21]) ( المسائل الرازية وهي أربع عشرة مسألة مسائل مفردات نحو من ماية في فنون شتى نحو المنع من تفضيل الملائكة على الأنبياء نقض مقالة يحيى بن عدي النصراني المنطقي فيما لا يتناهي جواب الملحدة في عدم العالم في أقوال المنجمين إنكاح أمير المؤمنين ( ع ) ابنته من عمر تتمة أنواع الاعراض من جمع أبى رشيد النيسابوري الخطبة المقمصة الحدود والحقايق انقاذ البشر من القضاء والقدر .. ) فهذا الكتاب رد على من قال بالوعيد لا اثبات فلاحظ .

 

الشاهد الثاني قول الشيخ الطوسي " استدل الجبائي أيضا بالآية على أن الأنبياء يجوز عليهم السهو والنسيان قال بخلاف ما يقوله الرافضة بزعمهم من أنه لا يجوز عليهم شئ من ذلك وهذا ليس بصحيح أيضا لأنا نقول إنما لا يجوز عليهم السهو والنسيان فيما يؤدونه عن الله فأما غير ذلك فإنه يجوز أن ينسوه أو يسهو عنه مما لم يؤد ذلك إلى الاخلال بكمال العقل وكيف لا يجوز عليهم ذلك وهم ينامون ويمرضون ويغشى عليهم والنوم سهو وينسون كثيرا من متصرفاتهم أيضا وما جرى لهم فيما مضى من الزمان ، والذي ظنه فاسد " ([22])

 

الجواب : وجب أن تعرف رأي الشيخ في مواضع أخرى قبل أن نتعرض لهذا القول الأخير :

قال الشيخ : وروى أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبد الله ( ع ) أنهم الأئمة من آل محمد صلى الله عليه وآله فلذلك أوجب الله تعالى طاعتهم بالاطلاق كما أوجب طاعة رسوله وطاعة نفسه كذلك . ولا يجوز ايجاب طاعة أحد مطلقا إلا من كان معصوما مأمونا منه السهو والغلط ، وليس ذلك بحاصل في الامراء ولا العلماء وإنما هو واجب في الأئمة الذين دلت الأدلة على عصمتهم وطهارتهم .([23])

 

قال الشيخ : فبين( ع )في هذا الخبر أن من لا يدري ما صلى يجب عليه الإعادة دون من تيقن مع أن في الحديثين ما يمنع من التعلق بهما وهو حديث ذو الشمالين وسهو النبي صلى الله عليه وآله وذلك مما تمنع منه الأدلة القاطعة في أنه لا يجوز عليه السهو والغلط صلى الله عليه وآله .([24])

 

نقل ابن براج عن الشيخ الطوسي :

جميع الأنبياء كانوا معصومين ، مطهرين عن العيوب والذنوب كلها وعن السهو والنسيان في الافعال والأقوال من أول الأعمار إلى اللحد بدليل انهم لو فعلوا المعصية أو يطرأ عليهم السهو لسقط محلهم من القلوب ، فارتفع الوثوق والاعتماد على أقوالهم وافعالهم فتبطل فائدة النبوة فما ورد في الكتاب ( القرآن ) فيهم فهو واجب التأويل .([25])

 

هذا هو معتقد الشيخ الطوسي واضح ولا لبس فيه , نأتي للعبارة المراد بيانها وهي " وكيف لا يجوز عليهم ذلك وهم ينامون ويمرضون ويغشى عليهم  والنوم سهو وينسون كثيرا من متصرفاتهم أيضا وما جرى لهم فيما مضى من الزمان " بيّن الشيخ الطوسي أن النوم سهو وهذا واضح لا يحتاج الى بيان , أما قوله " ينسون كثيرا من متصرفاتهم " بمعنى يتركون كثيرا من أشيائهم فهو لم يقل تصرفاتهم بمعنى أفعالهم بل قال متصرفاتهم وهو ما يملكون من أشياء فالنسيان محمول على الترك وبهذا تتضح عبارة الشيخ أن السهو المقصود هو النوم لا السهو المخل بالتشريع و كمال العقل بدليل القيد الذي صدر به العبارة وهو " مما لم يؤد ذلك إلى الاخلال بكمال العقل " وأن المقصود بالنسيان هو الترك وأضف على ذلك الشواهد الثلاث التي أدرجناها قبل التعرض لهذا القول وبهذا تنتفي الشبهة من أصلها .

 

المبحث الثاني : بما أن الشيخ الطوسي شافعي فهو من أدخل علم الأصول إلى التراث الإمامي

تبين لك أن المقدمة التي ساقوها أن الشيخ الطوسي شافعي أرادوا البناء عليها هنا بأن علم الأصول علم جاء به المخالفين وأول من ألف به هو الشافعي ([26]) بزعمهم وقبل الجواب وجب التنويه لأمور :

 

إن المشهور عند المخالفين أن أول من أسس علم الأصول هو الشافعي ومن قال بذلك فخر الدين الرازي "اعلم أن نسبة الشافعي إلى علم الأصول كنسبة أرسطو إلى علم المنطق، وكنسبة الخليل بن أحمد إلى علم العروض" ([27]) وقول الزركشي في كتابه البحر  "الشافعي أول من صنف في أصول الفقه، صنف فيه كتاب الرسالة" وتابعهم السيوطي . ([28])

 

أن كتاب الشافعي الرسالة كتب مرتين والنسخة القديمة اندرست بحسب المحقق أحمد محمد شاكر حيث قال " وأياما كان فقد ذهبت الرسالة القديمة ، وليس في أيدي الناس الآن إلا الرسالة الجديدة " ([29]) .

 

ان الشافعي أدرج القياس من ضمن الأدلة الشرعية التي يؤخذ منها أحكام الله تعالى بعد الكتاب والسنة والاجماع وقول بعض الصحابة ثم قال " الخامسة القياس على بعض الطبقات " ([30])

 

الشافعي تتلمذ على يد إبراهيم بن محمد بن يحيى المديني تلميذ الإمام الصادق ( عليه السلام ) وأكثر الشافعي من الرواية عنه وقد اتهم الشافعي بالتشيع واستدعاه هارون الرشيد للتأكد من هذه النسبة . ([31]) وقد ضعف العامة ابراهيم بن محمد بن يحيى لأنه إمامي ([32]) والشيخ أشار لذلك . ([33])

 

إن علماء العامة لم تكن لديهم أحاديث يستندون عليها في الأصول فقد قال محمّد رشيد رضا : إنّ أحاديث الأحكام الأُصول لا تتجاوز ٥۰۰ حديث تمدّها أربعة آلاف موقوفات و مراسيل  ([34]) وخالفه ابن حجر بقوله بوجود 1596 حديث في الأصول . ([35])

 

أقوال أعلام الفرقة الناجية نورد منها أمور :

أول من أسس علم الأصول هم الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم ويدل عليه ما روي عن الإمامين الصادقين عليهما السلام قالا " إنما علينا أن نلقى إليكم الأصول وعليكم أن تفرعوا " ([36]) وما روي عن الإمام الرضا عليه السلام قال " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ([37])

 

أصحاب الأئمة الذين ألفوا في علم الأصول حسب الترتيب الزمني :

في زمن الأئمة عليهم السلام :

يونس بن عبدالرحمن من أصحاب الإمام الكاظم والرضا عليهما السلام ألف في تعارض الحديثين([38])

إسماعيل بن علي بن نوبخت لقي الإمام العسكري عليه السلام له كتب منها  كتاب النقض على عيسى بن أبان في الاجتهاد وكتاب نقض مسألة الشافعي وكتاب نقض الاجتهاد والرأي على ابن الراوندي. ([39])

بعد زمن الغيبة :

أبو محمّد الحسن بن موسى النوبختي من علماء القرن الثالث له كتاب الخصوص والعموم والخبر الواحد والعمل به. ([40])

أبومنصور الصرام النيشابوري له كتب منها كتاب في الأصول سماه بيان الدين وكتاب في إبطال القياس . ([41])

أحمد بن عبدالواحد بن احمد البزاز المعروف بابن عبدون له كتاب الحديثين المختلفين ([42])

محمد بن احمد بن داود له كتاب الحديثين المختلفين ([43])

الشيخ محمد بن محمد بن النعمان المفيد كتاب التذكرة في أصول الفقه أدرجها تلميذه الكراجكي في كتابه كنز الفوائد 413هـ .

السيد الشريف علي بن الحسين الموسوي المرتضى وله كتاب التذكرة في أصول الفقه 436 هـ.

الشيخ ابوجعفر محمد بن الحسن الطوسي كتاب عدة الأصول 460 هـ

التقريب في أُصول الفقه للشيخ أبي ليلى المعروف بسلاّر بن عبد العزيز الديلمي صاحب المراسم توفّـي عام  ٤٦۳هـ

غنية النزوع إلى علمي الأُصول والفروع تأليف أبي المكارم حمزة بن علي المعروف بابن زهرة المتوفّى عام 585 هـ

كتاب المصادر تأليف الشيخ سديد الدين الحمصي المتوفّى حدود سنة 600 هـ

الشيخ جعفر بن الحسن الهذلي الملقب بالمحقق الحلي كتاب معارج الأصول 676 هـ .

الشيخ الحسن بن سديد الدين ابن المطهر الحلي الملقب بالعلامة الحلي كتاب مبادئ الوصول 726هـ

 

وفي المقام نقول :

أول من أسس علم الأصول الأئمة عليهم السلام وتابعهم أصحابهم وعلماء الإمامية من بعدهم ومن المؤلفات بهذا المجال كتاب ( أصول آل الرسول ) ([44]) و ( الأصول الأصيلة ) ([45]) و ( الفصول المهمة في أصول الأئمة ) ([46]) و (الأصول الأصيلة) ([47]).

دعوى أن أول من أسس علم الأصول هو الشافعي هي دعوى المخالفين لا الإمامية .

الشافعي أخذ عن تلميذ الإمام الصادق عليه السلام فالصحيح القول بأن الشافعي أخذ منا لا نحن أخذنا منه وزاد عليها ما لم ينزل به سلطان كالقياس والاستحسان .

 

علماء العامة أسسوا علم الأصول لأنهم يفتقدون للنصوص , أما علماء الإمامية فأصولهم عن أئمتهم عليهم السلام وأحاديثهم و شتان بين مؤسس على ضلال وآخر عن أئمة الهدى .

 

العامة جعلوا من الأصول القياس والاستحسان والظنون الشخصية والاستقراء وسنة الصحابة ورأي أهل المدينة مصدرا للتشريع أما الإمامية تبعا لأئمتهم رفضوا ذلك كله بالكلية وحصروا الأصول بما قال به الأئمة عليهم السلام .

فاتهام الشيخ الطوسي قدس الله روحه بأنه أخذ الأصول من الشافعي دعوى بلا دليل ولا برهان ولا تنهض أبدا بعد هذا البيان .

 

نظرة على منشأ الاختلاف الأصولي الاخباري :

الشيخ المظفر ننقل  ملخص كلامه " أن منشأ الحركة الاخبارية كان لسببين سياسي واجتماعي أما السياسي يرجع لحالة الحرب بين الدولة الصفوية والعثمانية من جهة والدولة الصفوية والأفغانية من جهة أخرى مما سبب ضعف الروح المعنوية العامة وهذا أدى إلى السبب الاجتماعي وهو زهد العامة واليأس من الاصلاح والفقر وتطور نزعة التصوف التي ظهرت على شكل فلسفة صوفية عقلية قوية تصدى ونظر لها صدر الدين الشيرازي وقد دعمتها الدولة الصفوية سرا . " ([48])

 

من جهة أخرى جاءت ردة فعل عنيفة على هذا الغلو بالنزعة الصوفية العقلية بنزعة أخرى تدعو الى التعبد بالنصوص والاقتصار عليها دون غيرها وقال ما نصه " ثم يدعو الغلو بهؤلاء إلى ادعاء أن كل تلك الأخبار مقطوعة الصدور على ما فيها من اختلاف ثم يشتد بهم الغلو فيقولون بعدم الأخذ بظواهر القرآن وحده من دون الرجوع إلى الأخبار الواردة ثم ضربوا بعد ذلك علم الأصول عرض الجدار بادعاء أن مبانيه كلها عقلية لا تستند إلى الأخبار والعقل أبدا لا يجوز الركون إليه في كل شئ ثم ينكرون الاجتهاد وجواز التقليد وهكذا تنشأ فكرة الإخبارية الحديثة إلى أول من دعا إليها أو غالى في الدعوة إليها المولى أمين الدين الاستربادي المتوفى 1033 " ([49])

 

أما الشهيد الصدر قال " وهكذا يخرج الاسترآبادي من تحليله للمعرفة بجعل الحس معيارا أساسيا لتمييز قيمة المعرفة ومدى إمكان الوثوق بها .. ( إلى أن قال ) وعلى أي حال فهناك التقاء فكري ملحوظ بين الحركة الفكرية الاخبارية والمذاهب الحسية والتجريبية في الفلسفة الأوروبية فقد شنت جميعا حملة كبيرة ضد العقل وألغت قيمة أحكامه إذا لم يستمدها من الحس وقد أدت حركة المحدث الاسترآبادي ضد المعرفة العقلية المنفصلة عن الحس إلى نفس النتائج التي سجلتها الفلسفات الحسية في تأريخ الفكر الأوربي إذ وجدت نفسها في نهاية الشوط مدعوة بحكم اتجاهها الخاطئ إلى معارضة كل الأدلة العقلية " ([50])

 

ثم قال " الحركة الاخبارية فكانت ذات دوافع دينية وقد اتهمت العقل لحساب الشرع لا لحساب التجربة فلم يكن من الممكن أن تؤدي مقاومتها للعقل إلى إنكار الشريعة والدين ولهذا كانت الحركة الاخبارية تستبطن في رأي كثير من ناقديها تناقضا  لأنها شجبت العقل من ناحية لكي تخلي ميدان التشريع والفقه للبيان الشرعي وظلت من ناحية أخرى متمسكة به لاثبات عقائدها الدينية لان إثبات الصانع والدين لا يمكن أن يكون عن طريق البيان الشرعي بل يجب أن يكون عن طريق العقل" ([51])

وزاد الشهيد على الأسباب التي ذكرها المظفر سببا آخر فقال " أن كتبا عديدة في الروايات اكتشفت خلال القرون التي أعقبت الشيخ لم تكن مندرجة في كتب الحديث الأربعة عند الشيعة ، ولهذا كان لا بد لهذه الكتب المتفرقة من موسوعات جديدة تضمها وتستوعب كل ما كشف عنه الفحص والبحث العلمي من روايات وكتب أحاديث " ([52])

 

الشيخ يوسف البحراني قدس الله روحه ما يلخص الحالة العامة آنذاك حيث قال " ولم يرتفع صيت هذا الخلاف ولا وقوع هذا الاعتساف إلا زمن صاحب الفوائد المدنية – الاسترابادي – سامحه الله تعالى برحمته المرضية فإنه جرد لسان التشنيع على الأصحاب وأسهب في ذلك أي إسهاب وأكثر من التعصبات التي لا تليق  .. " ([53])

 

وبعد أن ذكر الاختلافات بين المنهجين الاخباري والاصولي قال ما نصه " لأن ما ذكروه في وجوه الفروق بينهما جله بل كلّه عند التأمل لا يثمر فرقا في المقام " ([54])

 

المبحث الثالث القرآن الكريم :

اعلم ان الخلاف الذي وقع بين علماء الإمامية رحمهم الله كان بسبب توجيه الروايات الواردة عن أهل بيت الوحي عليهم السلام و سنبين متن الروايات وما تدل عليه ثم ننتقل الى ما اختلف فيه العلماء رحمهم الله .

 

علم القرآن كله عند الأئمة عليهم السلام  لقد وردت روايات كثيرة عنهم تدل على هذا المعنى لكنا اقتصرنا على المتون مراعاة للايجاز فمما روي عنهم  " ما يستطيع أحد أن يدعي أن عنده جميع القرآن كله ظاهره وباطنه غير الأوصياء " و " إن من علم ما أوتينا تفسير القرآن وأحكامه " و " الله إني لأعلم كتاب الله من أوله إلى آخره كأنه في كفي " ([55])

 

المنع من التفسير بالرأي والقياس " الحديث القدسي : ما آمن بي من فسر برأيه كلامي " ([56]) و " ليس شئ أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن " ([57]) و " لا يسع أهل علم القرآن الذين آتاهم الله علمه أن يأخذوا فيه بهوى ولا رأي ولا مقائيس " ([58])

 

الحث على التمسك بالقرآن والتدبر فيه  " اعلموا أن القرآن هدى الليل والنهار ونور الليل المظلم على ما كان من جهد وفاقة " ([59]) و " فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنه شافع مشفع وماحل مصدق ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار " و " إن هذا القرآن فيه منار الهدى ومصابيح الدجى فليجل جال بصره ويفتح للضياء نظره فإن التفكر حياة قلب البصير كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور " ([60])

 

عرض الروايات على القرآن الكريم " فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه " و " ذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وإلا فالذي جاء كم به أولى به " و " وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف " ([61])

الشيخ الميانجي لعله من المناسب ذكر ما قاله أولا " أن لعلوم القرآن مقامين مقام مخاطبة عامة الناس ومقام يختص برسول الله صلى الله عليه وآله ومن بعده ورثه أهل بيته عليهم السلام والباحثون في العلوم القرآنية –حيث لم يفرقوا بين هذين المقامين – اضطربت آراؤهم وكلماتهم في ذلك فمنهم من قال بالاستقلال في علوم القرآن مطلقا ومنهم من قال بعدم حجية ظواهر القرآن , والروايات الواردة في هذا الباب ناظرة إلى المقامين وما يمنع منها عن الاستقلال بالقرآن وعدم جواز التمسك به إنما هو ناظر الى المقام الثاني أي العلوم القرآنية التي تختص برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأولاده المعصومين عليهم السلام وما يرد منها في الحث والترغيب إلى التدبر والتفكر في آيات القرآن الكريم ناظر الى المقام الأول أي مرتبة دعوة الكل و لو تأمل متأمل حقه في هذه الروايات لوجد أنه لا تنازع ولا تعارض بين كلا الفريقين " ([62])

 

المحقق البحراني سبق الميانجي في تحرير المطلب فقال" وأما الأخباريون فالذي وفقنا عليه من كلام متأخريهم ما بين افراط وتفريط ، فمنهم من منع فهم شئ منه مطلقا حتى مثل قوله " قل هو الله أحد " إلا بتفسير من أصحاب العصمة صلوات الله عليهم ومنهم ممن جوز ذلك حتى كاد يدعي المشاركة لأهل البيت عليهم السلام في تأويل مشكلاته وحل مبهماته والتحقيق في المقام أن الأخبار متعارضة من الجانبين ومتصادمة من الطرفين " ([63])

 

ومن الذين تبنوا أن القرآن الكريم مقتصر في تفسيره على أهل البيت عليهم السلام دون عامة الناس وهذا يؤدي الى عدم حجية ظواهر القرآن مطلقا الميرزا الاسترابادي حيث قال " أن القران في الاكثر ورد على سبيل التعمية بالنسبة لاذهان الرعية وكذلك كثير من السنن النبوية وانه لا سبيل لنا فيما لا نعلمه من الاحكام الشرعية النظرية اصلية كانت او فرعية الا السماع من الصادقين عليهم السلام وانه لا يجوز استنباط الاحكام النظرية من ظواهر كتاب الله ولا من ظواهر السنن النبوية ما لم نعلم احوالهما من جهة اهل الذكر " ([64])

 

من المعلوم أن الاسترابادي من المتأخرين الذين نظروا للحركة الإخبارية إلا أنه في هذه المباحث قد شدد القدح والذم لمن خالفه من العلماء مما سبب اضطرابا في الساحة العلمية كما مر في كلام صاحب الحدائق , إلا أن هذه المسألة قد تعرض لها السابقون ومنهم :

 

الشيخ المفيد قدس الله روحه حيث قال " ومعاني القرآن على ضربين ظاهر وباطن والظاهر هو المطابق لخاص العبارة عنه تحقيقا على عادات أهل اللسان كقوله سبحانه ( ان الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون ) فالعقلاء العارفون باللسان يفهمون من ظاهر هذا اللفظ المراد والباطن هو ما خرج عن خاص العبارة وحقيقتها إلى وجوه الاتساع فيحتاج العاقل في معرفة المراد من ذلك إلى الأدلة الزائدة " ([65])

الشيخ الطوسي قدس الله روحه فهو ميّز بين الروايات الناظرة لاختصاص أهل بيت العصمة بالتفسير وبين الروايات الدالة على حجية ظواهر القرآن حيث قال " واعلم أن الرواية ظاهرة في اخبار أصحابنا بأن تفسير القرآن لا يجوز إلا بالأثر الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وعن الأئمة عليهم السلام الذين قولهم حجة كقول النبي صلى الله عليه وآله ، وان القول فيه بالرأي لا يجوز " ([66])

 

ثم قال " والذي نقول في ذلك إنه لا يجوز ان يكون في كلام الله تعالى وكلام نبيه تناقض وتضاد وقد قال الله تعالى " انا جعلناه قرآنا عربيا " وقال " بلسان عربي مبين " وقال " وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه "وقال " فيه تبيان كل شئ " وقال " ما فرطنا في الكتاب من شئ " فكيف يجوز ان يصفه بأنه عربي مبين وانه بلسان قومه وانه بيان للناس ولا يفهم بظاهره شئ ؟ وهل ذلك إلا وصف له باللغز والمعمى الذي لا يفهم المراد به إلا بعد تفسيره وبيانه ؟ " ([67])

ثم قال " قال النبي صلى الله عليه وآله اني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي  فبين ان الكتاب حجة كما أن العترة حجة وكيف يكون حجة ما لا يفهم به شئ ؟ وروى عنه عليه السلام أنه قال ( إذا جاءكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فما وافق كتاب الله فاقبلوه وما خالفه فاضربوا به عرض الحائط ) وروي مثل ذلك عن أئمتنا عليهم السلام ، وكيف يمكن العرض على كتاب الله ، وهو لا يفهم به شئ ؟ وكل ذلك يدل على أن ظاهر هذه الأخبار متروك " ([68])

ثم فصل المسألة وقال " الذي نقول به إن معاني القرآن على أربعة أقسام " أحدها - ما اختص الله تعالى بالعلم به فلا يجوز لاحد تكلف القول فيه "

" ثانيها - ما كان ظاهره مطابقا لمعناه فكل من عرف اللغة التي خوطب بها عرف معناها "

" وثالثها - ما هو مجمل لا ينبئ ظاهره عن المراد به مفصلا .. لا يمكن استخراجه إلا ببيان النبي صلى الله عليه وآله ووحي من جهة الله تعالى فتكلف القول في ذلك خطأ ممنوع منه يمكن أن تكون الاخبار متناولة له

" ورابعها - ما كان اللفظ مشتركا بين معنيين فما زاد عنهما ويمكن أن يكون كل واحد منهما مرادا فإنه لا ينبغي أن يقدم أحد به فيقول ان مراد الله فيه بعض ما يحتمل - إلا بقول نبي أو امام معصوم " ([69])

 

وقد علّق المحقق البحراني على كلام الشيخ الطوسي بقوله " والقول الفصل والمذهب الجزل في ذلك ما أفاده شيخ الطائفة رضوان الله عليه في كتاب التبيان وتلقاه بالقبول جملة من علمائنا الأعيان " ([70])

 

وعلّق السيد الجزائري عليه " قوله عليه السلام من فسر القرآن برأيه فقد كفر فإن ظاهره شمول كل آياته ولما انتهى بنا الحال إلى هنا فلا بأس بتحقيق هذا المقام ولم نر من حققه سوى شيخنا شيخ الطائفة طاب ثراه في تفسير التبيان ...وهو كلام رشيق أنيق " ([71])

 

الفيض الكاشاني علّق على مقالة الاسترابادي ومن تبع نهجه فقال " وأقول لا ينبغي ان يرتاب أحد في جواز تفسير القرآن لغير المعصومين عليهم السلام في الجملة والا لما صح قولهم في أخبار كثيرة إذا جاءكم عنا حديث فاعرضوه على كتاب الله كما يأتي ذكرها بل ما جاز لنا الانتفاع بالقرآن أصلا مع أنه الثقل الأكبر الواجب الاتباع المقتدى به كما يأتي بيانه ولما صح قوله ( ص ) : اني تارك فيكم الثقلين إذ على هذا التقدير انما ترك الثقل الواحد الذي هو أهل بيته خاصة بل ما ترك شيئا أصلا في مثل هذه الاعصار المتطاولة التي غاب فيها الامام غيبة منقطعة إذ أحاديثهم عليهم السلام مثل القرآن منها عام وخاص مجمل ومبين محكم ومتشابه تقية وحق إلى غير ذلك فإذا لم يجز تفسير القرآن بالرأي لاشتماله على أمثال ذلك فلا يجوز تفسير كلامهم عليهم السلام أيضا لاشتراك العلة بعينها" ([72])

 

ثم قال " إذا ثبت هذا فنقول اما اخبار المنع من تفسير القرآن بغير نص واثر فيجب حملها على المتشابهات منه دون المحكمات وكذا الأخبار الدالة على تخصيص أهل الذكر عليهم السلام بعلمه دون غيرهم فإنها أيضا محمولة على المتشابهات منه أو على علم الكتاب وذلك لوجوه من العقل والنقل منها ان الحكم اما نص وهو لا يحتمل الخلاف واما ظاهر والحكيم في مقام البيان والتفهيم لا يتكلم بما يريد خلاف ظاهره والا يلزم الاغراء بالجهل " ([73]).

 

وقال في موضع أخر " ومنها العمومات القطعية المقررة مثل قوله تعالى أوفوا بالعقود وحديث : لا ضرر ولا ضرار والمؤمنون عند شروطهم الا ما أحل حراما وحرم حلالا والبينة على المدعى واليمين على من أنكر ونحوها وهي كثيرة ومنع بعض الفضلاء - الاسترابادي - من الاستدلال بأمثالها لظنية دلالتها والنهي عن اتباع الظن فكل ما ورد منها عن أهل البيت عليهم السلام بيانه والعمل به في محل بخصوصه فهو الحجة والا فلا أقول وهذا انما يستقيم فيما لم يكن دلالتها محكمة فيه واما ما كانت دلالتها محكمة فيه فيجوز الاستدلال بها كما عرفت في محكمات الكتاب بعينه والا انتفى الفائدة فيها أصلا . ([74])

 

وقال في موضع آخر " بل نقول ان من المتشابهات أيضا ما يجوز ان يعلم تأويل غير المعصومين عليهم السلام أيضا من شيعتهم الكاملين ببركة متابعتهم لهم وسلوك طريقتهم والاستفادة منهم ومن روحانيتهم ومجاهدتهم في الله حق جهاده " ([75])

إلى أن قال " وعلى هذا فالمتشابه الممنوع من تأويله ما قطع وجزم بالمراد منه من غير دليل ولا شاهد بل بمجرد رأى واستحسان عقل " ([76]).

 

الشيخ العاملي الفتوني أيّد الفيض الكاشاني وقال " اعلم أنه لا ريب في اطلاع النبي والأئمة على جميع وجوه آيات القرآن ومعانيها كلها " ([77]) الى أن قال بعد عرض الروايات الدالة على أن علم القرآن كله عند أهل البيت عليهم السلام و ساق روايات عدم جواز التفسير بالرأي وكيفية الجمع بينها وبين تفسير غير الأئمة للقرآن الكريم ذكر كلام بعض محققي العلماء " الصواب أن يقال إن من أخلص الانقياد لله ولرسوله ولأهل البيت وأخذ علمه منهم وتتبع آثارهم واطلع على جملة من أسرارهم بحيث يحصل له الرأي في العلم والطمأنينة في المعرفة ... ( له أن يستفيد من القرآن بعض غرائبه ويستنبط منه نبذا من عجائبه ليس ذلك من كرم الله بغريب ) " ([78])

 

ثم قال تعليقا على كلامهم " أقول ولهذا ورد المدح من الامام لجابر الجعفي بأنه كان يعلم تأويل بعض الآيات .. وقد افتخر ميثم التمار على ابن عباس بمعرفته التأويل " ([79])

 

وقال " فتأمل جدا حتى لا تجد شكا ما سترى في تطبيق كثير من الآيات والعبارات التي لم يرد فيها نص خاص من ايراد بعض المعاني وذكر بعض الاحتمالات إذ ليس شيء مما نذكره إلا على وفق فهمنا أو فهم أصحابنا من الروايات المطلقة التي سنذكرها في المقدمة الثالثة " ([80])

 

والمقدمة الثالثة التي يقصدها ملخصها أن التأويلات التي ظفرنا بها من الروايات على ثلاثة أقسام ما ورد مختصا بكلمة أو آية لا تجري في غيرها , والثاني ما ورد في كلمة أو آية ويجري في غيرها على سبيل العموم , والثالث ما لم يرد في تأويل آية إلا أنه يجري فيها . ([81])

 

السيد الخوئي من المتأخرين الذين ساروا على نفس نهج القدماء حيث قال أن حجية ظواهر القرآن الكريم راجعة لأمور أربع :

 الأول : أن القرآن نزل حجة على الرسالة وأن النبي - ص - قد تحدى البشر على أن يأتوا ولو بسورة من مثله ومعنى هذا أن العرب كانت تفهم معاني القرآن من ظواهره ولو كان القرآن من قبيل الألغاز لم تصح مطالبتهم بمعارضته ولم يثبت لهم إعجازه لأنهم ليسوا ممن يستطيعون فهمه وهذا ينافي الغرض من إنزال القرآن ودعوة البشر إلى الايمان به .

الثاني : الروايات المتظافرة الامرة بالتمسك بالثقلين الذين تركهما النبي في المسلمين فإن من البين أن معنى التمسك بالكتاب هو الاخذ به والعمل بما يشتمل عليه ولا معنى له سوى ذلك .

 

الثالث : الروايات المتواترة التي أمرت بعرض الاخبار على الكتاب وأن ما خالف الكتاب منها يضرب على الجدار أو أنه باطل أو أنه زخرف أو أنه منهي عن قبوله أو أن الأئمة لم تقله وهذه الروايات صريحة في حجية ظواهر الكتاب وأنه مما تفهمه عامة أهل اللسان العارفين بالفصيح من لغة العرب  ومن هذا القبيل الروايات التي أمرت بعرض الشروط على كتاب الله ورد ما خالفه منها

 

الرابع : استدلالات الأئمة عليهم السلام على جملة من الأحكام الشرعية وغيرها بالآيات القرآنية منها  قول الصادق عليه السلام حينما سأله زرارة من أين علمت أن المسح ببعض الرأس " لمكان الباء " ومنها قوله عليه السلام في نهي الدوانيقي عن قبول خبر النمام إنه فاسق وقد قال الله تعالى  " إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا .. " ([82])

 

ثم قال"  أنه لا خلاف أن من له حق التفسير هم خصوص الأئمة عليهم السلام لأنهم خوطبوا به , أما الاستناد على ظواهر القرآن الكريم من قبيل إن التفسير هو كشف القناع كما قلنا فلا يكون منه حمل اللفظ على ظاهره لأنه ليس بمستور حتى يكشف ولو فرضنا أنه تفسير فليس تفسيرا بالرأي لتشمله الروايات الناهية المتواترة وإنما هو تفسير بما تفهمه العرف من اللفظ " ([83])

 

ثم لخص المسألة بقوله " ويحتمل أن معنى التفسير بالرأي الاستقلال في الفتوى من غير مراجعة الأئمة عليهم السلام مع أنهم قرناء الكتاب في وجوب التمسك ولزوم الانتهاء إليهم فإذا عمل الانسان بالعموم أو الاطلاق الوارد في الكتاب ولم يأخذ التخصيص أو التقييد الوارد عن الأئمة - ع - كان هذا من التفسير بالرأي وعلى الجملة حمل اللفظ على ظاهره بعد الفحص عن القرائن المتصلة والمنفصلة من الكتاب والسنة أو الدليل العقلي لا يعد من التفسير بالرأي بل ولا من التفسير نفسه وقد تقدم بيانه على أن الروايات المتقدمة دلت على الرجوع إلى الكتاب والعمل بما فيه ومن البين أن المراد من ذلك الرجوع إلى ظواهره وحينئذ فلا بد وأن يراد من التفسير بالرأي غير العمل بالظواهر جمعا بين الأدلة " ([84])

 

وختم كلامه بما شبه كلام الفيض الكاشاني حيث قال " فلو كان العلم الاجمالي مانعا عن التمسك بالظواهر حتى بعد انحلاله لكان مانعا عن العمل بظواهر السنة أيضا" ([85])

 

كاشف الغطاء " و بعد التحقيق و النظر الدّقيق يظهر من اكثرها – الأخبار - ان التّفسير غير مخصوص بالائمة و لو افاده فقصارى ما يفيد اختصاص التّفسير و هو انّما يكون فى الخفي او انّ تفسير جميع آيات للقرآن مخصوص بالائمّة و نحن قائلون بهما و المحقّ الحقيق بالاتباع الذى لا ينبغى وقوع البحث فيه و النّزاع " ([86])

 

قبل أن نختم الكلام بهذا المبحث والذي كان يناقش الاسترابادي ومن أيده حول عدم حجية ظواهر القرآن الكريم ورد العلماء عليه بأن الحكيم في مقام البيان والتفهيم لا يتكلم بخلاف الظاهر كما نقلناه من كلام الشيخ المفيد والشيخ الطوسي والفيض الكاشاني وكاشف الغطاء والسيد الخوئي نجد أن الاسترابادي يقول " قلت من المعلوم أن الحكيم في مقام البيان والتفهيم لا يتكلم بكلام يريد به خلاف ظاهره من غير وجود قرينة صارفة بينة لا سيما من اجتمعت فيه نهاية الحكمة مع العصمة ولا يجري ذلك في أكثر كلام الله ولا في أكثر كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالنسبة إلينا" ([87])

وهو عين ما أجاب به العلماء المتقدم ذكرهم واستثنى - الاسترابادي - أن أكثر كلام الله تعالى والنبي صلى الله عليه وآله غير ذلك لكنه لم ينف بالكلية , و بعد هذا العرض الموجز تبين لك أن الاختلاف جاء من جهة عدم التفريق بين الروايات الدالة على اختصاص الأئمة عليهم السلام بعلم القرآن الكريم والروايات الدالة على التمسك بالقرآن والعرض عليه والاستفادة منه و من جهة التفريق بين الروايات المحكمة و المتشابهة .

 

فالعلماء رحمهم الله أجمعوا على أن علم القرآن كله عند الأئمة عليهم السلام وهم من خوطبوا به وهم أعلم بتفسيره وتأويله ولا يجوز لأحد أن يفسر القرآن الكريم برأيه بل يعتمد على المأثور عنهم عليهم السلام وقالوا كذلك بجواز الاستفادة من الآيات الصريحة المحكمة لكل أحد فالحكيم في مقام البيان والتفهيم ظهور كلامه حجة على العقلاء وساقوا الأدلة على ذلك كما عرفت

 

المبحث الرابع العقل :

اعلم أنه لا خلاف بين الإمامية قاطبة بأن العقل لا يشرع ولا يؤسس لحكم شرعي فمصادر التشريع هي الكتاب والسنة وقد أفاد الشيخ المفيد بهذا عندما قال " اعلم أن أصول أحكام الشريعة ثلاثة أشياء كتاب الله سبحانه وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وأقوال الأئمة الطاهرين من بعده صلوات الله عليهم وسلامه والطرق الموصلة إلى علم المشروع في هذه الأصول ثلاثة أحدها العقل وهو سبيل إلى معرفة حجية القرآن ودلائل الاخبار " ([88])

 

إنما وقع الخلاف في توجيه الروايات فبعضها مادح للعقل وبعضها ذام له , وسنتعرض لهذا التوجيه بعد أن نورد جملة من الآيات والروايات بايجاز.

 

الآيات القرآنية : إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون  ([89]) |  لآيات لقوم يتفكرون  ([90]) | لآيات لأولي الألباب ([91]) |  لآيات لأولي النهى ([92]) | لذكرى لأولي الألباب أفلا يعقلون ([93]) | أكثرهم لا يعقلون ([94]) | أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ([95]) .

 

الروايات التي تذم العقل وننقل متون الاخبار للايجاز ومن أراد التوسع فليراجع المصادر , روي عنهم عليهم السلام " قلت : ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب الله ولا سنته فننظر فيها فقال ( الصادق ) لا أما أنك إن أصبت لم تؤجر وإن أخطأت كذبت على الله " ([96]) و " من نظر برأيه هلك ومن ترك أهل بيت نبيه ضل " ([97]) و " إن دين الله عز وجل لا يصاب بالعقول الناقصة والآراء الباطلة والمقائيس الفاسدة " ([98]) .

 

الروايات التي تمدح العقل وتجعله حجة" فما الحجة على الخلق اليوم فقال عليه السلام العقل يعرف به الصادق على الله فيصدقه والكاذب على الله فيكذبه " ([99]) و " انه عليه السلام قال حجة الله على العباد النبي والحجة فيما بين العباد وبين الله العقل " ([100]) و " يا هشام إن الله على الناس حجتين حجة ظاهرة وحجة باطنة ، فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة وأما الباطنة فالعقول " ([101])

 

الشيخ المظفر ممن تعرض لهذا المبحث حيث قال " و أما ما ورد عن آل البيت عليهم السلام من نحو قولهم " إن دين الله لا يصاب بالعقول "  فقد ورد في قباله مثل قولهم " إن لله على الناس حجتين حجة ظاهرة وحجة باطنة فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة عليهم السلام وأما الباطنة فالعقول " و الحل لهذا التعارض الظاهري بين الطائفتين هو أن المقصود من الطائفة الأولى بيان عدم استقلال العقل في إدراك الأحكام ومداركها في قبال الاعتماد على القياس والاستحسان لأنها واردة في هذا المقام أي أن الأحكام ومدارك الأحكام لا تصاب بالعقول بالاستقلال..

 

( إلى أن قال ) وعليه فهذه الطائفة من الأخبار لا مانع من الأخذ بها على ظواهرها ، لأنها واردة في مقام معارضة " الاجتهاد بالرأي " ولكنها أجنبية عما نحن بصدده وعما نقوله في القضايا العقلية التي يتوصل بها إلى الحكم الشرعي كما أنها أجنبية عن الطائفة الثانية من الأخبار التي تثني على العقل وتنص على أنه حجة الله الباطنة لأنها تثني على العقل فيما هو من وظيفته أن يدركه لا على الظنون والأوهام ولا على ادعاءات إدراك ما لا يدركه العقل بطبيعته " ([102])

الميانجي ممن فرق بين العقل الفطري الممدوح والعقل المطلق المذموم " أقول العقل الفطري هو الحقيقة النورية التي يفيضها الله تعالى على النفوس البشرية والعقل بهذا المعنى لا يتوارد ولا يتعارض في شئ مع الدليل النقلي " ([103])

 

قال في موضع آخر" فإن الإمامية الاثنا عشرية لا يرخصون أنفسهم في استنباط الأحكام بالعقل الاصطلاحي ولا بالقياس المشتهر بين علماء أهل السنة " ([104])

 

المحقق البحراني قال " لا ريب أن العقل الصحيح الفطري حجة من حجج الله سبحانه وسراج منير من جهته جل شأنه وهو موافق للشرع  بل هو شرع من داخل كما أن ذلك شرع من خارجه " ([105])

 

الشيخ الأنصاري تعرض لهذا التوجيه أي الروايات الذامة للعقل " ودعوى استفادة ذلك من الأخبار ممنوعة فإن المقصود من أمثال الخبر المذكور عدم جواز الاستبداد في الأحكام الشرعية بالعقول الناقصة الظنية - على ما كان متعارفا في ذلك الزمان من العمل بالأقيسة والاستحسانات - من غير مراجعة حجج الله بل في مقابلهم عليهم السلام وإلا فإدراك العقل القطعي للحكم المخالف للدليل النقلي على وجه لا يمكن الجمع بينهما في غاية الندرة بل لا نعرف وجوده فلا ينبغي الاهتمام به في هذه الأخبار الكثيرة مع أن ظاهرها ينفي حكومة العقل ولو مع عدم المعارض  وعلى ما ذكرنا يحمل ما ورد من " أن دين الله لا يصاب بالعقول " ([106])

 

وقال " نعم الإنصاف أن الركون إلى العقل فيما يتعلق بإدراك مناطات الأحكام لينتقل منها إلى إدراك نفس الأحكام موجب للوقوع في الخطأ كثيرا في نفس الأمر وإن لم يحتمل ذلك عند المدرك  كما يدل عليه الأخبار الكثيرة الواردة بمضمون " أن دين الله لا يصاب بالعقول " و " أنه لا شئ أبعد عن دين الله من عقول الناس " ([107])

 

الشهيد الصدر قال أن الروايات الذامة للعقل ناظرة الى القياس ونحوه " القائلين بعدم حجية الدليل العقلي استندوا إلى جملة من الروايات التي نددت بالعمل بالأدلة العقلية وأكدت على عدم قبول اي عمل غير مبني على الاعتراف بأهل البيت ونحو ذلك من الألسنة والصحيح ان الروايات المذكورة لا دلالة فيها على ما يدعى وانما هي بصدد أمور أخرى ، فبعضها بصدد المنع من التعويل على الرأي والاستحسان ونحو ذلك من الظنون العقلية وبعضها بصدد بيان كون الولاية شرطا في صحة العبادة وبعضها بصدد بيان عدم جواز الانصراف عن الأدلة الشرعية والتوجه رأسا إلى الاستدلالات العقلية " ([108])

 

يتفرع عن مبحث العقل مبحث مهم فمن حمل الروايات الذامة للعقل وجعلها هي الحاكمة على المباحث الأصولية في حجية العقل اتهم غيره بالعمل بالقياس والرأي والظن وبدأ بالاتهامات والتشنيعات على العلماء الأعلام .

 

المبحث الخامس القياس :

عرفت مما سبق اجماع الطائفة المحقة على حرمة العمل بالقياس وتصريح جملة من العلماء الذين اوردنا كلماتهم بذلك ونعطيك مثالا على شكل الاتهامات التي وجهت من بعض العلماء الى آخرين حتى تعلم أن ليس كل ما اتهم به أحد فهو حق بل غالبا ما تكون المسائل عبارة عن تصادم في المباني العلمية وتطبيقاتها .

 

كاشف الغطاء " وقد نسبوا المجتهدين الى العمل بالقياس مع انّهم رضوان اللّه عليهم اجمعوا على عدم جواز العمل به و عرف ما بينهم انه ليس من دين الاماميّة حتّى انهم هجروا اقوال من صدرت منه بعض عبادات تؤذن بعمله به و السّبب فى ذلك انّهم قاصرون عن الوصول الى ما وصل اليه المجتهدون حيث انّهم لا يفهمون سوى المناطيق و لم يعلموا انّ المدار الخطابات فى جميع اللّغات على ما يفهم من العبادات‏ و منها تصريحات و تعريضات و تلويحات و رموز و اشارات و تنبيهات و ما يفهم من جميع الكلمات فى شرعيّات فى مخاطبات او مكاتبات او وصايا او مستحلّات لانّهم لم يدققوا النظر و لم يعرفوا سوى الخبر و لم ينظروا فى جملة الاخبار فيستفيدوا من مجموعها حكما لم يكن مستفادا من آحادها " ([109])

 

السيد نعمة الله الجزائري نورد لك كلامه وننبه الى أن منهجه في العقل يقبل بـ " الدليل العقلي البديهي , والدليل العقلي المعضد بالنقلي ( وهو نقلي في الحقيقة ) , والدليل العقلي المقابل للدليل النقلي من غير مؤيد فالمقدم بهذه الحالة الدليل النقلي " ([110])

 

لكنّه من حيث التطبيق شنّع على العلماء الأعلام وننقل لك نص كلامه " إن أكثر أصحابنا قد تبعوا جماعة من المخالفين من أهل الرأي والقياس ومن أهل الطبيعة والفلاسفة وغيرهم من الذين اعتمدوا على العقول واستدلالاتها وطرحوا ما جاءت به الأنبياء عليهم السلام حيث لم يأت على وفق عقولهم ..

( إلى أن قال ) مثل قولهم إن النبي صلى الله عليه وآله لم يحصل له الاسهاء من الله تعالى في صلاة قط تعويلا على ما قالوه من أنه لو جاز السهو عليه في الصلاة لجاز عليه في الأحكام مع وجود الدلائل الكثيرة من الأحاديث الصحاح والحسان والموثقات والضعفاء والمجاهيل على حصول مثل هذا الاسهاء " ([111])

 

أمثلة على الاختلاف :

لا يخفى على المتتبع النابه أن من سنذكرهم من أجلاء الأصحاب الذين ورد فيهم المدح من الأئمة عليهم السلام بأسمائهم ومع هذا يعرض عليهم الخطأ وهذا لا يوجب القدح بجلالة قدرهم ومنزلتهم لمجرد الخطأ واسقاطهم من الاعتبار بالكلية كما فعل بعضهم مع الشيخ الطوسي حتى تمسك بخيوط العنكبوت للنيل من زعيم الطائفة فمن يتتبع عثرات وسقطات العلماء الأبرار ليسقطهم بالجملة فقد فعل القبيح واستهزء بنفسه , فاعلم رحمك الله أن مجرد السقطة من العالم لا توجب تسقيطه حتى تكون صفته الملازمة له والمشهورة عنه .

 

" روي عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مجوسي يصيد السمك أيؤكل منه فقال : ما كنت لاكله حتى انظر إليه .

قال حماد : يعنى حتى أسمعه يسمي .

قال محمد بن الحسن : الذي ذكره حماد في تأويل الخبر غير صحيح لأنا قد قدمنا من الاخبار ما يدل على أن التسمية غير مراعاة في صيد السمك ، والوجه في قوله حتى انظر إليه هو انه ينظر إلى الصيد فيراه انه يخرج من الماء حيا ، أو يعطى وهو حي " ([112])

 

" فاما ما رواه علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس قال : ميراث ولد الزنى لقرابته من قبل أمه على نحو ميراث ابن الملاعنة . فهذه رواية موقوفة لم يسندها يونس إلى أحد من الأئمة عليهم السلام ويجوز أن يكون ذلك كان اختياره لنفسه لا من جهة الرواية بل لضرب من الاعتبار ، وما هذا حكمه لا يعترض به الأخبار الكثيرة التي قدمناها ."  ([113])

 

" وقال الفضل بن شاذان - رحمه الله - خلاف قولنا في هذه المسألة واخطأ  قال : إن ترك ابن ابنة وابنة ابن وأبوين فللأبوين السدسان وما بقي فلابنة الابن من ذلك الثلثان ولابن الابنة من ذلك الثلث ، تقوم ابنة الابن مقام أبيها وابن الابنة مقام أمه وهذا مما زل به قدمه عن الطريق المستقيمة وهذا سبيل من يقيس . " ([114])

 

" و حكى غيره – الصدوق - في مواضع متفرّقة عن جماعة من اساطينهم العمل بالراى و القياس احيانا و فيهم من الاوائل مثل زرارة بن اعين و جميل بن درّاج و عبد اللّه بن بكير و هو من اجلّاء الفطحيّة المنتمين الى اصحابنا و المعدودين من فقهائهم و ممّن اجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم و تصديقهم لما يقولون و اقرّوا لهم بالفقه و من الاواخر مثل يونس بن عبد الرّحمن و الفضل بن شاذان و غيرهم و لم يثبت بعض ذلك  .. " ([115])

 

المبحث السادس العمل بالظن :

قلنا أن هذا المبحث متفرع عن مبحث العقل وقد اعتمد المستشكل على الجملة التالية ( الفقيه غير معصوم ويعتمد على الظن فحكمه لا اعتبار له لأن الظن حرام العمل به ) .

الجواب : الفقيه غير معصوم نسلّم بذلك لكن حجية قوله معتبرة من المعصوم " فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا على هواه مطيعا لأمر مولاه  فللعوام أن يقلدوه " ([116]) فهو يستند على الأدلة القطعية من الكتاب والعترة , والفقيه يعتمد على الظن نسلّم بذلك لكن الظن الذي اعتبره المعصوم حجة , ونورد بعض الظنون المعتبرة شرعا كأمثلة ولا نقصد الحصر.

 

حجية قاعدة اليد " عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال له رجل : أرأيت إذا رأيت شيئا في يدي رجل أيجوز لي أن أشهد أنه له ؟ قال : نعم ، قال الرجل : أشهد أنه في يده ولا أشهد أنه له فلعله لغيره ، فقال له أبو عبد الله عليه السلام : أفيحل الشراء منه ؟ قال : نعم ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : فلعله لغيره فمن أين جاز لك أن تشتريه و يصير ملكا لك ؟ ثم تقول بعد الملك : هو لي وتحلف عليه ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك ثم قال أبو عبد الله عليه السلام : لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق " ([117])

 

حجية خبر الثقة  "أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله " ([118])

 

شهادة العدول "إذا شهد عند الإمام شاهدان أنهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام بالافطار"([119])

 

فالظن المعمول به والمقصود في أبواب الفقه الظن الخاص المعتبر الذي جعله الشارع حجة على المكلف والفقيه يجتهد في تحصيل الأحكام الشرعية بالأدلة القطعيّة واذا جاء الدليل القطعي باعتبار الظن فيعمل به ولا يقال له أنت تعمل بالظن والظن حرام ونبيّن لك ذلك من أقوال العلماء :

 

الفيض الكاشاني " أقول فالحديث الذي رواه العامة ان من اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد فأخطأ فله اجر واحد ان صح فهو محمول على الاجتهاد في العمليات اي متعلقات أحكام - الله تعالى ورد الفروع إلى الأصول المأخوذة عن أهل البيت عليهم السلام لأجل العمل كما ذكرناها في الأصل الخامس والسادس دون نفس أحكام الله تعالى في الواقع مطلقا فان كان مراد المتأخرين من أصحابنا بالاجتهاد ما قلنا فحكمهم بعدم إثم المجتهد في خطائه حق " ([120])

 

الميرزا النائيني " أن البالغ الذي وضع عليه قلم التكليف إذا التفت في مقام الاستنباط إلى حكم شرعي فإما أن يحصل له القطع أو الظن أو الشك أما القطع فهو حجة من قبل نفسه من غير أن يكون يجعل جاعل أو اعتبار معتبر واما الشك فهو غير قابل للحجية والكاشفية أصلا والوجه فيه ظاهر واما الظن فهو متوسط بينهما فإن قام دليل على اعتباره فيلحق بالقطع ويكون قطعا تنزيليا وإلا فيلحق بالشك فيجري في مورده أحد الأصول الأربعة العملية " وقال " ان الشيخ الانصاري ألحق الظن المعتبر بالقطع والغير المعتبر بالشك " ([121])

 

الوحيد البهبهاني " فاعتمادهم  - المجتهدين - في الحقيقة على اليقين ولولا كبراهم اليقينية لما عملوا بالظن أبدا والأخباريون ليس لهم كبرى يقينية بل اعتمادهم على نفس ظنهم الذي يسمونه علما " ( إلى أن قال ) " إنهم يحكمون بحرمة الاجتهاد صريحا ويأبون عن الاسم وعن كونهم مجتهدين بسبب أن الاجتهاد بحسب الاصطلاح : استفراغ الوسع في تحصيل الحكم الشرعي بطريق ظني فالتقييد بالظن هو المنشأ مع أن القيد هو الظن المعتبر شرعا لا غير كما لا يخفى([122])

 

الفاضل التوني " لا يجوز أن يكون الظن من حيث هو ظن مناطا للأحكام الشرعية ما لم يكن ناشئا عما ثبت اعتباره شرعا إذ كثيرا ما يحصل هذا الظن بأسباب اخر مثل هوى النفس أو التعصب أو الحسد أو نحو ذلك كما هو محسوس مشاهد وعلى هذا فيحصل الهرج والمرج في الدين لاختلاف الناس في هذه الأسباب فيجب أن يكون الظن الذي يجوز العمل به مضبوطا بأن يكون ناشئا من الكتاب الجيد أو الحديث الصحيح أو مطلقه لو ثبت حجيته مطلقا بل الحق أن العمل بهذه الأدلة ليس عملا بالظن بل عمل بكلام من يجب اتباعه غاية الامر الاكتفاء بالظن الخاص في نسبة هذا الكلام إلى من يجب اتباعه" ([123])

 

تبيّن لك أن تحريم الاجتهاد المقصود هو استفراغ الوسع في تحصيل الحكم الشرعي بالظن المحرم كالقياس والرأي والاستحسان , والمجتهدين من أعلام الإمامية يقولون بتحصيل الحكم الشرعي بالظن المعتبر شرعا من القرآن الكريم والعترة الطاهرة , ومرت بك رواية قاعدة اليد فالسائل حذق في مسألته حيث " قال له رجل : أرأيت إذا رأيت شيئا في يدي رجل أيجوز لي أن أشهد أنه له ؟ قال : نعم ، قال الرجل : أشهد أنه في يده ولا أشهد أنه له فلعله لغيره " فالقطع الذي بنى عليه السائل أنه يقطع بالشهادة بما هو موجود في اليد لا على الملكية , لأن الاحتمال يرد أنه سارقه أو ناقله أو مؤتمن عليه وهذه كلها تفيد الظن بالملكية إلا أن تتمة الرواية اعتبرت الظن بملكيته حتى يحصل القطع بخلافها فتأمل.

 

وللوحيد البهبهاني كلمة من المناسب الاتيان بها لتوضيح ما التبس على العوام " توهم متوهم أن شيخنا المفيد رحمه الله ومن بعده من فقهائنا إلى الان كانوا مجتمعين على الضلالة مبدعين بدعا كثيرة غير عديدة ضالين مضلين متابعين للعامة مخالفين لطريقة الأئمة عليهم السلام ومغيرين لطريقة الخاصة مع غاية قربهم لعهد الأئمة عليهم السلام ونهاية جلالتهم وعدالتهم ومهارتهم في الفقه والحديث وتبحرهم وزهدهم وورعهم وتقواهم وتقدمهم وكونهم المؤسسين لمذهب الشيعة المروجين له في رأس كل مائة المتكفلين لأيتام الأئمة عليهم السلام مع كونهم في غاية الفهم والفطانة والقوة القدسية

 

فمن هذا التوهم اجتراء كل من لا اطلاع له أصلا بمباني أدلة الفقه و قواعده حتى أدخل نفسه في الفقه وحصل لنفسه فقها جديدا من تركيبه مقدمتين الأولى : أن كل من ظن من جهة الأحاديث حكما وفهم في نفسه منها أمرا يكون ذلك حجة له ولا يجوز له تقليد غيره لأنه فقيه , الثانية : أن كل ما لم يظهر له وجهه وما لم يفهمه مما ذكره الفقهاء لا أصل له , ويكتفي في ذلك بمن قال : ومن أين ثبت ؟ فربما يعد نفسه أفقه من جميع فقهائنا ويحكم بصحة فقهه الحاصل له من المقدمتين الفاسدتين وبطلان فقه الفقهاء وان كان ذلك أمرا متفقا عليه بينهم . ([124])

 

 

المبحث السابع علم الرجال :

اعلم أن أساس علم الرجال من القرآن الكريم والعترة الطاهرة فنشرع بهما ثم نضع بين يديك ما يتيسر من المصادر التي أشارت إلى الأصحاب والعلماء الذين عملوا به وصنفوا فيه , أما من القرآن الكريم آية النبأ { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين }  ([125]) وفسّر الفسق في بيانات أهل بيت الوحي عليهم السلام بـ (وأما الفسوق فهو الكذب ) ([126])

 

وأما من الروايات الشريفة رواية الأمير صلوات الله وسلامه عليه بعد أن سأله سليم بن قيس عن اختلاف الحديث وتعمد الكذب على النبي صلى الله عليه وآله ونورد موضع الشاهد منها ويجب أن تراجعها ففيها قسم الأمير الرجال الى أربع :

الأول : رجل منافق يظهر الإيمان متصنع بالإسلام لا يتأثم ولا يتحرج أن يكذب على رسول الله متعمدا

الثاني :  رجل سمع من رسول الله شيئا لم يحمله على وجهه ووهم فيه ولم يتعمد كذبا فهو في يده يقول به ويعمل به

الثالث : رجل ثالث سمع من رسول شيئا أمر به ثم نهى عنه وهو لا يعلم  أو سمعه ينهى عن شئ ثم أمر به وهو لا يعلم

الرابع :  وآخر رابع لم يكذب على رسول مبغض للكذب خوفا من الله و تعظيما لرسول الله صلى الله عليه وآله لم ينسه بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به كما سمع لم يزد فيه ولم ينقص منه . ([127])

 

والأئمة عليهم السلام عملوا بالجرح والتعديل فهم وثقوا وضعفوا ولك أن تراجع كتاب رجال الكشي فهو يعتمد هذه الطريقة ونذكر لك نماذج بما يراعي الايجاز :

" العمري وابنه ثقتان " ([128])

" بشر المخبتين بالجنة بريد بن معاوية العجلي وأبو بصير ليث بن البختري المرادي ومحمد بن مسلم وزرارة أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست" ([129])

" فإذا أردت بحديثنا فعليك بهذا الجالس .. ( زرارة بن أعين ) " ([130])

" من زكريا ابن آدم القمي المأمون على الدين والدنيا " ([131])

" كان المغيرة بن سعيد يكذب على أبي جعفر " ([132])

" كان أبو الخطّاب يكذب على أبي عبدالله " ([133])

 

المؤلفون في علم الرجال :

عبيد الله بن أبي رافع 40 هـ  له كتاب ( تسمية من شهد مع أمير المؤمنين علي عليه السلام الجمل وصفين والنهروان)  ([134])

وعبدالله بن جبلة الكناني 219 هـ  له كتب في علم الرجال ([135])

والحسن بن علي بن فضال  224هـ له كتاب رجال ([136]) والحسن ابن محبوب 224 هـ له كتاب المشيخة ([137])

وأحمد بن أبي عبد الله البرقي 274هـ له كتاب طبقات الرجال ([138])

وإبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي سنة 283 هـ له كتب في أخبار الرجال ([139])

وعبد الرحمن بن يوسف بن خراش سنة 283 هـ له كتاب رجال ([140])

و محمد بن يعقوب الكليني 328 هـ له كتاب في الرجال ([141])

وأبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد 333 هـ له كتاب الرجال([142])

ومحمد بن عمر بن محمد الجعابي سنة 355 هـ له كتاب طبقات الشيعة ([143])

و محمد بن علي بن بابويه المعروف بالصدوق سنة 381 هـ له كتب في الرجال ([144])

وبعد الكليني مؤلفات الشيخ الطوسي والنجاشي و ابن الغضائري وابن داود وغيرها كثير .

ومما يلفت النظر ادعاء المخالفين لما ترجموا  لشعبة بن الحجاج  المتوفى 160 هـ , قولهم أنه " أمير المؤمنين في الحديث " ([145]) و " فارس في الحديث  " و " أول من جرح وعدل " ([146]) والسيوطي تابع الذهبي بأن قال " و أول مؤلف في علم الرجال شعبة بن الحجاج " ([147])

 

لاحظ أن هذا الفن الذي أسس له القرآن والعترة أيضا ادعاه المخالف له وهو عين ما حصل في علم الأصول , والمنصف المتتبع يعلم أن ما أخذ عن العترة الطاهرة أفضل وأكمل وأحسن مما في أيدي العاملين بالرأي والقياس والهوى أعاذنا الله وإياك من الردى .

 

فائدة علم الرجال :

الحر العاملي : من المعلوم أن الشيخ يرى صحة الكتب الأربعة ومع ذلك يقول بفائدة علم الرجال حيث قال " وللبحث عن أحوال الرجال فوائد

منها الاطلاع على بعض القرائن التي عرفها المتقدمون

ومنها وجود السبيل إلى كثرة القرائن الدالة على ثبوت الحديث كما صرح به صاحب المعالم

ومنها إمكان الترجيح بذلك عند التعارض مع عدم مرجح آخر أقوى منه كما مر

ومنها إمكان إثبات التواتر بنقل جماعة وإن كانوا قليلين ، لعدم انحصار عدده على الصحيح ، بل عدده يختلف باختلاف أحوال الرواة ، والضابط إحالة العادة تواطؤهم على الكذب ، فقد يحصل بأقل من خمسة كما صرح به المحققون ويشهد به الوجدان في موارد كثيرة

منها معرفة أحوال الكتب التي نريد النقل منها والعمل بها ، فإن كان راوي الكتاب ومؤلفه ثقة عمل به  وإلا فلا إلى غير ذلك من الفوائد .

إلى أن قال " في ذكر جملة من القرائن المستفادة من أحوال الرجال تفصيلا مضافة إلى القرائن السابقة الاجمالية وإنما نذكر هنا من يستفاد من وجوده في السند قرينة على صحة النقل وثبوته واعتماده ، وذلك أقسام وقد يجتمع منها اثنان فصاعدا

منها من نص علماؤنا على ثقة مع صحة عقيدته .

ومنها من نصوا على مدحه وجلالته وإن لم يوثقوه مع كونه من أصحابنا

ومنها من نصوا على توثيقه مع فساد مذهبه لما تقدم و

منها من عدوه من أصحاب الاجماع .

ومنها من عدوه من أصحاب الأصول .

 ومنها من نصوا على رواية بعض أصحاب الاجماع كتابه لدخوله في الاجماع .

 ومنها من كان مجهولا أو ضعيفا ، وقد شهدوا لكتابه بالصحة والاعتماد لما مر .

ومنها من وقع الاختلاف في توثيقه وتضعيفه ، فإن كان توثيقه أرجح فوجوده في السند قرينة وإلا فأذكره لنظر في الترجيح ، على أن الاختلاف هنا في الغالب سببه اختلاف الحديث في حق الراوي ، ويأتي في زرارة ما يدل على أن الذم في مثله للتقية

 ولم أذكر الضعفاء لان روايتهم إنما تكون ضعيفة إذا لم يعضدها نص آخر ولم تقم القرائن على صحتها وثبوتها " ([148])



([1]) طبقات المفسرين جلال الدين السيوطي ص80

([2]) سير أعلام النبلاء عبد الله شمس الدين الذهبي ج18 ص335

([3]) تاريخ الاسلام عبد الله شمس الدين الذهبي ج30 ص491

([4]) طبقات الشافعية الكبرى علي بن عبد الكافي  السبكي ص51

([5])  لسان الميزان ج2 ص250 ( ملاحظة ابو الطيب شافعي والخلال حنبلي والتنوخي أديب وشاعر )

([6]) تذكرة الحفاظ ج3 1045 في ترجمة الحاكم النيسابوري " أما انحرافه عن خصوم علي فظاهر، وأما أمر الشيخين فمعظِّمٌ لهما بكل حال فهو شيعي لا رافضي "

([7]) البداية والنهاية ج12 ص119 قال في أوضاع سنة 460

([8]) الكامل في التاريخ ج10 ص58

([9]) رجال النجاشي أحمد بن علي النجاشي ص407  / فهرست منتجب الدين بن بابويه ص46  / خلاصة الاقوال لحسن بن يوسف بن المطهر الحلي ص 249 / رجال بن داود أبو داود الحلي ص170 / معجم رجال الحديث السيد الخوئي ج16 ص261 ترجمة الشيخ الطوسي

([10]) معجم رجال الحديث ج18 ص232 محمد بن عبد الرحمان بن قبة  قال النجاشي محمد بن عبد الرحمان بن قبة الرازي أبو جعفر متكلم عظيم القدر حسن العقيدة قوي في الكلام كان قديما من المعتزلة وتبصر وانتقل للإمامية

قال الشيخ الطوسي محمد بن قبة الرازي يكنى أبا جعفر من متكلمي الإمامية وحذاقهم وكان أولا معتزليا ثم انتقل إلى القول بالإمامة

([11]) معجم رجال الحديث ج18 ص227 – 242 قال النجاشي محمد بن مسعود بن محمد بن عياش السلمي السمرقندي  أبو النضر المعروف بالعياشي ثقة صدوق ، عين من عيون هذه الطائفة ، وكان يروي عن الضعفاء كثيرا وكان في أول أمره عامي المذهب / خلاصة الأقوال للحلي ص246 وكان في أول امره عامي المذهب وسمع حديث العامة وأكثر منه ، ثم تبصر وعاد إلينا /  رجال ابن داود ص184 كان عاميا فاستبصر.  

([12]) الشيخ الطوسي حسن عيسى الحكيم المقدمة .

([13]) بعث الخليفة القادر بالله 381 – 422 الى السلطان محمود الغزنوي يأمره ببث السنة بخراسان ففعل وقتل جماعة ونفى المعتزلة والشيعة وغيرهم وامر بلعنهم على المنابر وقد أعدم خلقا كثيرا بتهمة الالحاد وحمل خمسون حملة من الكتب واحرقها تحت المصلوبين تحتها من أعيان المعتزلة والشيعة واتخذ الخليفة العباسي من القوة السلفية لاضعاف الشيعة بخراسان ( الشيخ الطوسي لحسن عيسى الحكيم ص50 )

([14]) كتاب الغيبة محمد بن الحسن الطوسي ص358

([15]) محمد جواد الشبيري مصادر الشيخ الطوسي ص177 " انّ المقدمة كتبت في حياة الشيخ المفيد (م413) كما تدلّ عليه دعاؤه له بجملة «أيده الله» وهذه الصيغة مستعملة في جميع كتاب الطهارة متكررة في أكثر من خمسمائة مورد ، وكذا في أول كتاب الصلاة مرّتين «قال الشيخ ـ أيده الله تعالى ـ» ثم بدّلت في الباب الثاني من كتاب الصلاة بقوله قال الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ فيفهم منه أنّ الشيخ المفيد توفّي عندما وصل الشيخ الطوسي إلى بدايات كتاب الصلاة . .

([16]) الفوائد الرجالية محمد صادق ال بحر العلوم ج3 ص230 ترجمة الشيخ الطوسي

([17]) الفوائد الرجالية لمحمد صادق ال بحر العلوم ج3 ص230 في ترجمة الشيخ الطوسي

([18]) خلاصة الاقوال الحسن بن يوسف العلامة الحلي ص250

([19]) الفهرست الشيخ محمد بن الحسن الطوسي ص241

([20]) رسائل المرتضى السيد علي بن الحسين الموسوي الشريف المرتضى ص102

([21]) معالم العلماء محمد بن علي بن شهراشوب ص106

([22]) التبيان محمد بن الحسن الطوسي ج4 ص166

([23]) التبيان محمد بن الحسن الطوسي ج3 ص 236

([24]) الاستبصار محمد بن الحسن الطوسي ج1ص371

([25]) جواهر الفقه عبدالعزيز بن براج ص248

([26]) أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعيّ المطَّلِبيّ القرشيّ (150-204هـ ) وهو معاصر للامام موسى بن جعفر الكاظم عليهما السلام ولم يدرك الامامين الصادقين عليهما السلام .

([27]) كتاب تاريخ التشريع الإسلامي مناع القطان ص 369  .

([28]) نفس المصدر السابق

([29]) كتاب الرسالة للشافعي تحقيق أحمد محمد شاكر ص11 مقدمة المحقق واستدل بكلام الشافعي نفسه فراجع

([30]) كتاب الأم محمد بن ادريس الشافعي ص280

([31]) جامع المقاصد الشيخ علي بن الحسين المحقق الكركي ج1 ص23 مقدمدة التحقيق

([32]) تهذيب التهذيب ابن حجر ج1 ص138 (قال الشافعي : لان يخر إبراهيم من بعد أحب إليه من أن يكذب وكان ثقة في الحديث ) ثم ساق ابن حجر أقوال العامة بضعفه وأنه كاذب ومبتدع وضال ونحوها .

([33]) الخلاف للشيخ الطوسي ج2ص132 (وكان خاصا بحديثنا، والعامة تضعفه لذلك ) .

([34]) الوحي المحمدي ص212 ( ونوه إلى أن الموقوفات هي أفعال الصحابة من أنفسهم لا أحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله )

([35]) بلوغ المرام من أدلّة الأحكام أحمد بن علي بن حجر , تحقيق محمّد حامد الفقيّ – المقدمة -

([36]) عوالي الئالي ابن ابي الجمهور الاحسائي ج4 ص63

([37]) وسائل الشيعة للحر العاملي ج18 ص41

([38]) معجم رجال الحديث ج21 ص209 ترجمة يونس بن عبدالرحمن

([39]) معجم رجال الحديث ج4 ص69 ترجمة اسماعيل بن علي بن نوبخت وكان من الجلالة بحيث كان الشيعة يرونه هو من يستحق السفارة .

([40]) معجم رجال الحديث ج6 ص154 ترجمة الحسن بن موسى النوبختي

([41]) معجم رجال الحديث ج23 ص66 ترجمة ابومنصور الصرام

([42]) معجم رجال الحديث ج2 ص152 ترجمة أحمد بن عبدالواحد البزاز

([43]) معجم رجال الحديث السيد ابوالقاسم الخوئي ج15 ص346 ترجمة محمد بن احمد بن داود

([44]) الميرزا محمد هاشم زين العابدين الموسوي الاصفهاني وفيه أزيد من 4000 آلاف حديث في الأصول

([45]) السيد عبدالله شبر وفيه 134 آية و1903 رواية في الأصول عن الأئمة عليهم السلام

([46]) الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي ( صاحب الوسائل )

([47]) المولى محمد بن مرتضى المعروف بالفيض الكاشاني

([48])  جامع السعادات ( النراقي )  مقدمة الشيخ محمد رضا المظفر

([49]) نفس المصدر السابق

([50]) المعالم الجديدة للأصول السيد محمد باقر الصدر ص42 -44 

([51]) المعالم الجديدة للأصول السيد محمد باقر الصدر ص45

([52]) المعالم الجديدة لعلم الأصول السيد محمد باقر الصدر ص83

([53]) المعالم الجديدة لعلم الأصول السيد محمد باقر ص168

([54]) الحدائق الناضرة الشيخ يوسف البحراني ج1 ص167

([55]) الكافي محمد بن يعقوب ثقة الاسلام الكليني ج1 ص229

([56]) التوحيد الشيخ الصدوق محمد بن علي القمي ص68

([57]) المحاسن أحمد بن محمد البرقي ج2 ص301

([58]) الكافي محمد بن يعقوب ثقة الاسلام الكليني ج8 ص5

([59]) الكافي محمد بن يعقوب ثقة الاسلام الكليني ج2 ص216

([60]) الكافي محمد بن يعقوب ثقة الاسلام الكليني ج2 ص599

([61]) الكافي محمد بن يعقوب ثقة الاسلام الكليني ج1 ص69

([62]) مناهج البيان في تفسير القرآن الشيخ محمد باقر الملكي الميانجي ص13

([63]) الحدائق الناضرة الشيخ يوسف البحراني ج1 ص27 وتبنى الشيخ الأخبار المانعة وحررها فراجع

([64]) الفوائد المدنية محمد أمين الاسترابادي ص105

([65]) كنز الفوائد محمد بن علي الكراجكي ص186

([66]) التبيان الشيخ أبوجعفر محمد بن الحسن الطوسي المقدمة

([67]) التبيان الشيخ أبوجعفر محمد بن الحسن الطوسي ص4

([68]) المصدر السابق ص5

([69]) التبيان الشيخ ابوجعفر محمد بن الحسن الطوسي ص6

([70]) الحدائق الناضرة الشيخ يوسف البحراني ج1 ص32

([71]) الأنوار النعمانية السيد نعمة الله الجزائري ج1 ص289

([72]) الأصول الأصيلة الفيض الكاشاني ص36 – الأصل الثاني –

([73]) المصدر السابق

([74]) الأصول الأصيلة الفيض الكاشاني ص143

([75]) الأصول الأصيلة الفيض الكاشاني ص94 – الأصل الثالث - .

([76]) المصدر السابق ص99

([77]) مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار الشيخ أبو الحسن بن محمد طاهر العاملي الفتوني , مقدمة تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ص26

([78]) المصدر السابق ص30

([79]) المصدر السابق ص30

([80]) المصدر السابق ص31

([81]) مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار الشيخ أبو الحسن بن محمد طاهر العاملي الفتوني ص88 المقدمة الثالثة

([82]) البيان في تفسير القران السيد أبو القاسم الخوئي ص 265

([83]) المصدر السابق ص269

([84]) البيان في تفسير القرآن السيد ابوالقاسم الخوئي  ص270

([85]) المصدر السابق ص271

([86]) الحق المبين الشيخ جعفر آل كاشف الغطاء ص26

([87]) الفوائد المدنية محمد أمين الاسترابادي ص178 مبحث ذكر القرائن الموجبة للعلم العادي بورود الأحاديث

([88]) كنز الفوائد محمد بن علي الكراجكي ص186

([89]) سورة الرعد /5

([90]) سورة الروم / 21

([91]) سورة آل عمران / 188

([92]) سورة طه / 57

([93]) سورة الزمر / 23

([94]) سورة المائدة / 103

([95]) سورة محمد / 27

([96]) الكافي محمد بن يعقوب ثقة الاسلام الكليني ج1 ص57 حديث 11

([97]) الفصول المهمة في أصول الأئمة محمد بن الحسن الحر العاملي ج1 ص520

([98]) كمال الدين وتمام النعمة محمد بن علي القمي الشيخ الصدوق ص324

([99]) الكافي محمد بن يعقوب ثقة الاسلام لكليني ج1 باب العقل الحديث 20

([100]) المصدر السابق حديث 23

([101]) المصدر السابق حديث 12

([102]) أصول الفقه الشيخ محمد رضا المظفر ج3 ص138

([103]) توحيد الإمامية الشيخ محمد باقر الملكي الميانجي ص39

([104]) المصدر السابق  ص40

([105]) الحدائق الناضرة الشيخ يوسف البحراني ج1 ص131

([106]) فرائد الأصول الشيخ مرتضى الأنصاري ج1 ص61

([107]) فرائد الأصول الشيخ مرتضى الأنصاري ج1 ص63

([108]) دروس في علم الأصول السيد محمد باقر الصدر ج2 ص259

([109]) الحق المبين جعفر آل كاشف الغطاء ص60

([110]) الأنوار النعمانية السيد نعمة الله الجزائري ج3 ص116

([111]) الأنوار النعمانية السيد نعمة الله الجزائري ج3 ص113 – 115

([112]) تهذيب الأحكام محمد بن الحسن الطوسي ج9 ص9 كتاب الصيد حديث 32

([113]) تهذيب الأحكام محمد بن الحسن الطوسي ج9 ص345

([114]) من لا يحضره الفقيه محمد بن علي القمي الصدوق ج4 ص270

([115]) كشف القناع عن وجوه الاجماع أسد الله التستري ص83

([116]) مستند الشيعة أحمد بن محمد مهدي النراقي ج17 ص34

([117]) الكافي محمد بن يعقوب الكليني ج7 ص387

([118]) مستند الشيعة أحمد بن محمد مهدي النراقي ج10 ص419

([119]) نفس المصدر السابق

([120]) الأصول الأصيلة الفيض الكاشاني ص115 – باب الاجتهاد والتقليد -

([121]) أجود التقريرات الميرزا محمد حسين النائيني ج1 المقدمة – المبحث السادس -

([122]) الفوائد الحائرية محمد باقر الوحيد البهبهاني ص128

([123]) الوافية عبدالله بن محمد الخراساني الفاضل التوني ص273

([124]) الفوائد الحائرية محمد باقر الوحيد البهبهاني ص86

([125]) سورة الحجرات / 6

([126]) معاني الأخبار محمد بن علي القمي الصدوق ص294 ( معنى الرفث والفسوق والجدال )

([127]) الكافي محمد بن يعقوب الكليني ج1 ص64 باب اختلاف الحديث

([128]) الكافي محمد بن يعقوب الكليني ج1 ص330

([129]) اختيار معرفة الرجال محمد بن الحسن الطوسي ج1 ص398

([130]) اختيار معرفة الرجال محمد بن الحسن الطوسي ج1 ص347

([131]) الاختصاص محمد بن محمد بن النعمان المفيد ص87

([132]) اختيار معرفة الرجال محمد بن الحسن الطوسي ج2 ص489

([133]) اختيار معرفة الرجال محمد بن الحسن الطوسي ج2 ص591

([134]) الفهرست محمد بن الحسن الطوسي ص174

([135]) رجال النجاشي أحمد بن علي النجاشي ص216

([136]) رجال النجاشي أحمد بن علي النجاشي ص34

([137]) الفهرست محمد بن الحسن الطوسي ص96

([138]) رجال النجاشي أحمد بن علي النجاشي ص77

([139]) الفهرست محمد بن الحسن الطوسي ص37

([140]) الذريعة آغا بزرك الطهراني ج10 ص84

([141]) رجال النجاشي أحمد بن علي النجاشي 377

([142]) رجال النجاشي أحمد بن علي النجاشي ص94

([143]) رجال النجاشي أحمد بن علي النجاشي ص394

([144]) رجال النجاشي أحمد بن علي النجاشي ص389

([145]) التاريخ الكبير اسماعيل بن عبدالله البخاري ج4 ص245

([146]) سير أعلام النبلاء محمد بن أحمد الذهبي ج7 ص206 – ترجمة شعبة بن الحجاج -

([147]) مستدركات أعيان الشيعة حسن الأمين ج1 ص189 نقلا عن سيد حسن الصدر نقلا عن كتاب الوسائل إلى معرفة الأوائل للسيوطي ( كتاب السيوطي مخطوط )

([148]) وسائل الشيعة محمد بن الحسن الحر العاملي ج20 ص112-114 ( الفائدة الحادية عشرة والفائدة الثانية عشرة ) 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق